من يطعن فى النور ؟
الفصل الأول : رد على الطعنات الموجهة للكتاب المقدس
• مركز الكتاب المقدس كما أعلنه الله لنا
• الكتاب المقدس نور ومنهج للحياة
• الكتاب المقدس نار تفحص وتغير النفوس المستعدة
• فى الكتاب المقدس نرى عمل الثالوث
• بعض المفاهيم الخاصة بالكتاب المقدس
لقد أوضح الله أهمية الكتاب المقدس وقيمة كلماته فقال لشعبه :
" 6- و لتكن هذه الكلمات التي انا اوصيك بها اليوم على قلبك. 7- و قصها على اولادك و تكلم بها حين تجلس في بيتك و حين تمشي في الطريق و حين تنام و حين تقوم. 8- و اربطها علامة على يدك و لتكن عصائب بين عينيك. 9- و اكتبها على قوائم ابواب بيتك و على ابوابك." ( تث 6 : 6-9 )
ويعلم الله شعبه أيضا أن يلهجوا ويرددوا كلمات الكتاب المقدس فيقول مرة أخرى :
"لا يبرح سفر هذه الشريعة من فمك بل تلهج فيه نهارا و ليلا" ( يش 1 : 8 )
ويقول السيد المسيح :
"تضلون اذ لا تعرفون الكتب و لا قوة الله " ( مت 22 : 29 )
أى أن من لا يعرف الكتب سيضل لهذا يقول القديس بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس : " انك منذ الطفولية تعرف الكتب المقدسة القادرة ان تحكمك للخلاص " ( 2 تى 3 : 15 )
ويقول البابا أثناسيوس الرسولى :" فى كلمات الكتاب المقدس الرب هناك "
ويقول العلامة أوريجانوس : " مؤمنين بأن المعرفة الإلهية السابقة وهى تمد الجنس البشرى بالحكمة العلوية بالكتب المقدسة قد وضعت بذار الحق المخلصة فى كل سفر"
أى أن الله قد وضع بذار الحق فى كل سفر حتى يتم التكامل الرائع الذى نراه الآن فى الكتاب المقدس.
ففى إحدى الأمسيات أعد الحزب الشيوعى مسرحية كبيرة جدا كان الغرض منها السخرية من الكتاب المقدس وكان بطل المسرحية ممثل مشهور كان سيقوم بدور السيد المسيح وهو يلقى الموعظة على الجبل ثم كان من المفروض أن ينقلب الحديث إلى السخرية على تلك الكلمات ليثير الضحك على كلمات السيد المسيح فيخزى كل من يؤمن بالإنجيل وقد أعطى الحزب الشيوعى أجازة لكل العمال ليحضروا هذه المسرحية لكى يصبح حوارها مثار السخرية فى المجتمع فيما بعد وامتلأ المسرح القومى الروسى على آخره وانطفأت الأنوار وفتح الستار على الممثل " ألكسندر روستوفيتشيف " وهو متقمص دور السيد المسيح وتقدم الممثل بخطوات هادئة وفى يده الإنجيل ثم فتحه وبصوت أجش وملامح متقضبة أخذ يقرأ التطويبات :
" 3- طوبى للمساكين بالروح لان لهم ملكوت السماوات. 4- طوبى للحزانى لانهم يتعزون. 5- طوبى للودعاء لانهم يرثون الأرض .... " ( مت 5 : 3-5 )
ثم بدأت نبرات صوته تهتز ويظهر عليه التوتر وبدأت عيون الجمهور تتعلق بالممثل الشهير لترى ما قد حدث وعلا صوت الملقن ليذكره بالحوار إذ من المفروض بعد قراءة هاتين الآيتين أن ينقلب الحوار إلى السخرية وبدأ على وجه ألكسندر صراع رهيب ثم أخذ يتماسك وبنظرات عميقة أخذ يكمل دون تعليق " طوبى للجياع والعطاش إلى البر لأنهم يشبعون طوبى للرحماء... " إلى آخره وبعد أن أكمل التطويبات وبينما الصمت يسود المسرح كله نظر ألكسندر بعمق شديد وبعيون دامعة إلى السماء وبكل قوة رشم نفسه بعلامة الصليب وهو يقول " اذكرنى يارب متى جئت فى ملكوتك " وبسرعة أغلق الستار وانقلب الحال إذ كانت أصوات كثيرة فى المسرح تصرخ ياربى يسوع المسيح ارحمنا "
نعم ... إنها قوة كلمات الإنجيل
فللكلمة قوة فهى تخرج من فمه لتعبر عنه تحمل سلطانه تعرف الآخر به.
فمن خلال الكلمة نعرف الآخرين ومن خلال الكلمة يصير العهد ومن خلال الكلمة نأخذ الوعد وبالكلمة يتحقق المجد لهذا فإن كلمة الله تحمل قوة جبارة لأنها من الله تخرج كقانون وعهد فيها قوة وقدرة الله ليست حروفا صامته ولكنها حقيقة تعلن بالكلمة وتحمل فى داخلها قيمة المتكلم .
هذه هى قوة الكتاب المقدس التى تعطى لمن يطلب ويفحص ويقرع باب الحياة الأبدية المخفى وراء الأحرف والكلمات كما يقول سفر الأعمال عن هؤلاء الذين عرفوا المسيح حينما فتشوا الكتب :
"فقبلوا بكل نشاط فاحصين الكتب كل يوم " ( أع 17 : 11 )
لقد قال السيد المسيح فى حديثه مع الآب : " قدسهم فى حقك كلامك هو حق " ( يو 17 : 17 ) وهذا يعنى أنه طلب تقديسنا فى الحق من خلال كلامه إذ أن كلامه هو حق وبذلك يكون الإنجيل سبيل للتقديس فالحياة بكلمة الله تعنى الدخول فى قداسة الحياة.
"الكلام الذى اكلمكم به هو روح وحياة " ( يو 6 : 63 )
فحقيقة كلام الإنجيل هو روح وحياة أى أن كلمات الإنجيل ليست كمثل كلمات العالم أو البشر لأنها تخرج من فم الله ذاته فهى تحمل إمكانيات الحياة وعمل الروح.
وما ورد فى الكتاب المقدس من تاريخ أو أحداث بشرية إنما يصف لنا علاقة الله مع الإنسان كى يطلعنا على رصيد الإنسانية وقيمتها لدى الله وليحفظ لنا نصيباً خاصاً كما كان لهؤلاء الذين عاشوا معه وله يقول مار بولس فى الكتاب المقدس : " كل الكتاب هو موحى به من الله و نافع للتعليم و التوبيخ للتقويم و التاديب الذي في البر" ( 2تى 3 : 16)
وكلمة وحى فى اللغة العبرية تعنى : نسمة من الله أى أن كلمات الكتاب المقدس هى نسمات الله المعطاه لنا كحياة فينا .. نعم .. تخيل أنه العريس وكلمات هذه – التى كلم بها عروسه – هى أنفاسه كيف ستحافظ هى عليها وتعيدها على مسامعها كلما اشتاقت إلى عريسها فالله إذن يحضر داخلنا بكلماته ليكتب فى عقولنا ويخاطب نفوسنا فنراه فى كل كياننا وتصير عشرتنا معه من خلال كلماته فى داخلنا
يقول القديس إيرينئوس :" الكتاب المقدس يؤالف الإنسان مع الله والله مع الإنسان "
فمنذ سقوط الإنسان صار فى ظلمة لا يستطيع فيها أن يرى الله فصارت كلمات الله تنادى على الإنسان دائما كى تصنع معه شركة حياة جديدة وترسم له طريقا يتقابل فيه مع الله وتكون كلماته رفيقا يقدم العروس للعريس.
لهذا فإن قراءة الكتاب المقدس وفهمه أشبه ما تكون بالإفخارستيا العقلية غير المادية التى تعطى الحياة للإنسان كما قال السيد المسيح : " ان ليس بالخبز وحده يحيا الانسان بل بكل كلمة من الله" ( لو 4 : 4 )
لذلك كان مار اسحق يصلى قائلا :" يارب أهلنى أن أشعر بقوة كتابك "
فكلمة الله كيان قوى حى يعمل فينا للحياة المقدسة ويقول بولس الرسول : " و الان استودعكم يا اخوتي لله و لكلمة نعمته القادرة ان تبنيكم و تعطيكم ميراثا مع جميع المقدسين " ( أع 20 : 32 )
وهذا هو حال كل الذين اختبروا كلمات الله فقد عرفوا أنها تعطى ميراثا للقداسة ولكن بشرط أن يخضع الإنسان ذاته لعمل كلمته ويكون حقا صادقا فى طلب عمل كلمة الله فى الفكر والانفعالات والإرادة لتكون تلك الكلمات قادرة أن تقود للخلاص كما قال بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس : " انك منذ الطفولية تعرف الكتب المقدسة القادرة ان تحكمك للخلاص بالايمان الذي في المسيح يسوع " ( 2 تى 3 : 15 )
هكذا تقدسنا كلماته ... لأنها روح وحياة
جاء يوما أحد الأخوة يسأل أباه الروحى إذ أنه كان كلما يقرأ فى الكتاب المقدس لا يستطيع أن يتذكر منه شيئا حتى أنه شعر بعدم جدوى القراءة فأحضر له هذا الأب وعاء من القش وقال له :" أذهب يا بنى إلى مصدر المياه وأملأ هذا الوعاء بالماء " فذهب الأخ إلى مصدر المياه وملأ الوعاء ثم رجع به إلى الأب لكن فى الطريق كانت المياه تسربت تماما من الوعاء القش فطلب منه الأب نفس الطلب مرة أخرى وبالرغم من دهشته لكنه أطاع وذهب إلى مصدر المياه كى يملأ الوعاء مرة أخرى ثم رجع إلى الأب ولكن لم يحتفظ الوعاء هذه المرة أيضا بأى قطرة ماء فسأل الأب :" أين المياه التى كانت فى الوعا ؟" فقال له الأخ :" لقد تسربت تماما فعاد الأب يسأل :" هل احتفظ الوعاء بأى شئ فى المرتين ؟" فرد عليه الأ :" لا ... لا شئ أبدا " فقال له الأب :" نعم يا بنى ... أحيانا تكون عقولنا هكذا قد لا نستطيع أحيانا أن نحفظ الكلمات لكن كلمات الله تنظف عقولنا وتقدس أفكارنا "
الكتاب المقدس نور ومنهج للحياة
كيف يمكن للإنسان أن يسير فى الطريق دون أن يكون هناك نور ؟
فهل يمكن للعيون أن ترى الطريق فى الظلام ؟
إن النور هو الذى يجعل الطريق واضحا ويسهل للإنسان السير فيه هكذا كلمات الله للنفس فهى النور الذى يجعل عيون أرواحنا ترى طريق الحياة الحقيقية فيتجه الإنسان نحو هدف وجوده لذلك يقول المزمور : "سراج لرجلى كلامك ونور لسبيلى " ( مز 119 : 105 ) ويقول الحكيم فى الأمثال :" لأن الوصية مصباح والشريعة نور " ( أم 6 : 23 )
فكلام الله يرسم طريقا للعقل قيؤمن ويرسم طريقا للنفس فتهدأ ويهب الروح الحياة الأبدية حسب إرادة الله كما يذكر لنا مار بطرس : " مولودين ثانية لا من زرع يفنى بل مما لا يفنى بكلمة الله الحية الباقية الى الابد " ( 1 بط 1 : 23 )
ويقول أيضا : " و عندنا الكلمة النبوية و هي اثبت التي تفعلون حسنا ان انتبهتم اليها كما الى سراج منير في موضع مظلم الى ان ينفجر النهار و يطلع كوكب الصبح في قلوبكم " ( 2 بط 1 : 19 )
الكتاب المقدس نار تفحص وتغير النفوس المستعدة
فى إحدى البلاد استطاع أعداء المسيح أن يقضوا على المسيحية إما بالقتل أو بالطرد أو بالتهديد وما أن هدأت نفوسهم بعد الوصول إلى غايتهم حتى سمعوا أن هناك مبشر أجنبى يسكن بلدتهم يكلم الناس ويبشرهم بالمسيح فتحمست مجموعةمنهم وصمموا على أن يخلصوا بلدتهم من هذا الذى يعمل على نشر المسيحية فأعدوا أسلحتهم وذهبوا إليه ليلا وما أن رأوه سألوه وفى أصواتهم نبرات الغضب والتهديد :" أنت الذى جئت إلى بلادنا تبشر بالمسيح ؟" أما هو فلم ينكر فقد كان ممتلئا من الإيمان والقوة فقال لهم : " نعم ... فأنا لا أستطيع أن أصمت ولا أتكلم عن مخلصى " ليشابه إرميا حين قال : فكان في قلبي كنار محرقة محصورة في عظامي فمللت من الامساك و لم استطع "( إر 20 : 9 ) فما أن سمعوا هذا منه حتى هجموا عليه وذبحوه وهم فى غاية الحماس ثم قرروا فيما بينهم أن ممتلكاته غنيمة لهم فأخذوا يوزعون على بعضهم كل ما كانوا أمامهم ولكن عجبا ... لقد وجد الإنجيل فأخذ يقلب صفحاته حتى جذبته كلماته فقال لهم :" اسمعوا معى هذه الكلمات ..... " فصمت الجميع وأخذوا يسمعونه وهو يقرأ لهم ومر الوقت وهم يقلبون صفحاته بشغف واهتمام حتى جاء الفجر وقد أشرق النور داخلهم فخرجوا وهم شخصيات مختلفة لقد عرفوا المسيح وجذبهم كلماته بل سحقت القاسية ووضعت داخلهم بدلا منها قلوبا جديدة فخرجوا إلى مجتمعاتهم يبشرون بالإنجيل هكذا يقول الله على فم إرميا النبى :" اليست هكذا كلمتي كنار يقول الرب و كمطرقة تحطم الصخر " ( إر 23 : 29 )
نعم عزيزى القارئ ...
حينما تدخل كلمة الله وتجد القلب فى حالة صدق حقيقى فإنها تصير كنار تحرق الإنسان العتيق وتبنى المذبح ترسم ملامح الإنسان الجديدة يقول تلميذى عمواس : " الم يكن قلبنا ملتهبا فينا اذ كان يكلمنا في الطريق و يوضح لنا الكتب " ( لو 24 : 32 )
وكلما أخضع الإنسان ذاته لكلمة الله كلما كانت الاستنارة حقيقية وتغيير النفس أقوى يقول القديس بولس الرسول عن اختبار : " لان كلمة الله حية و فعالة و امضى من كل سيف ذي حدين و خارقة الى مفرق النفس و الروح و المفاصل و المخاخ و مميزة افكار القلب و نياته " ( عب 4 : 13 ) عبر يوما أحد السكان البيض الذين يسكنون جنوب أفريقيا على رجل أسود من إحدى القبائل فوجده يقرأ الكتاب المقدس فقال له :" ألا تزال تقرأ فى هذه الخرافات ؟" فرد عليه الرجل الأسود :" لا .. ليست خرافات ... فلولا هذا الإنجيل ... لأكلتك " فقال له:" كيف ؟" قال له :" لأننى قبل أن أصير مسيحيا كنت من آكلى لحوم البشر ... حتى جاء الإنجيل وغير طبيعتى تماما "
نعم يا صاحب ...
إنها الكلمات التى تهب الحياة ينبوع القداسة من يشرب منه تسرى فى عروقه حياة جديدة ليس سحرا ولا عملا بلا منطق لكنها قوة عمل كلمات الله فهى عندما تدخل العقل تجدده ... توجه المشاعر بقوة نحو الله فينطق اللسان بالتسبيح ... وتجعل القلب يمتلئ بالحب حتى للأعداء يشفق على الضعفاء لأنه سكن النور قلبه وملأ المسيح كيانه يحدث ذلك حينما تدخل كلمة الله – بلا مانع من الذات أو الرغبات الشريرة – إلى النفس فتنكشف النفس أمام كلمة الله وتهمس فى الأذن الداخلية كرسالة شخصية خاصة جدا لهذا الإنسان من عريس إلى عروسه فتتشكل ملامح الإنسان الجديد ويتحرك القلب للتطهير والتقديس والتوبة والتغيير للنمو والثبات فى المسيح.ولكن لابد أن نعلم شيئا هاما جدا وهو أن كلمة الله لا تعمل بمعزل عن الكنيسة كما حدث مع الخصى الحبشى حين سأله فيلبس :" العلك تفهم ما انت تقرا.31- فقال كيف يمكنني ان لم يرشدني " ( أع 8 : 30-31 ) فالكنيسة هى جسد المسيح الذى يجعل الكلمة متآلقة مع النفوس فتحل الكلمة فى العقل والقلب ويعمل روح الله بغنى
فى الكتاب المقدس نرى عمل الثالوث
فالآب يعلن : " احمدك ايها الاب رب السماء و الارض لانك اخفيت هذه عن الحكماء و الفهماء و اعلنتها للاطفال " ( مت 11 : 25 )
والابن يعمل :" الامر الذي لاجله اتعب ايضا مجاهدا بحسب عمله الذي يعمل في بقوة " ( كو 1 : 29 ) ، " مستنيرة عيون اذهانكم لتعلموا ما هو رجاء دعوته و ما هو غنى مجد ميراثه في القديسين. 19- و ما هي عظمة قدرته الفائقة نحونا نحن المؤمنين حسب عمل شدة قوته " ( أف 1 : 18-19 ) والروح القدس يفحص ويعطى الحياة : " لان الروح يفحص كل شيء حتى اعماق الله " ( 1 كو 2 : 10 ) ويصور البعض الكتاب المقدس كقصر ملكى كبير عندما ندخل إلى هذا القصر نلتقى بمدخل فخم هذا المدخل هو ( سفر التكوين ) حيث نجد فيه لوحات أثرية عن الخلق والكون ووثائق عن الآباء ويقودنا هذا المدخل إلى قاعة الدستور والقوانين وفيها نجد مجمل القواعد وهى ( أسفار الشريعة ) ثم نجد قاعة البطولات التى نرى فيها صورا من أحداث الماضى للبطولات العظيمة وهى ( الأسفار التاريخية ) ثم صالة الفلاسفة حيث نستمع فى إحدى حجراتها إلى أعظم الشدائد ( أيوب ) وقاعة الموسيقى حيث نستمتع بأعذب النغمات الروحية لداود وبقية المرنمين فى ( المزامير ) ومكتب استشارات الحياة فى ( الأمثال ) وفى بهو آخر نجد قاعة الفكر فى ( الجامعة ) وبجانبها نشتم رائحة الناردين ونستمع إلى موسيقى حالمة تصف الحب الإلهى فى نشيد الإنشاد ثم نصعد بسلم إلى قاعة كبيرة تستخدم كمرصد تضم ( حجرات الأنبياء ) حيث توجد سبع عشر حجرة وكل منهم فى حجرته على مرصده ينظر إلى السماء وهؤلاء هم أشخاص الأنبياء الذين ينظرون ويخبرون ما يرونه عن كوكب الصبح والنجم المشرق وشمس البر ثم نعبر إلى قاعة ضخمة يحفها الجلال والعظمة حيث يجتمع الملك وجها لوجه مع زائريه يتحدث إليهم ويعنى بأمورهم فى الأناجيل الأربعة ) وبعد هذه القاعة ندخل إلى حجرة عمليات الروح القدس فى ( أعمال الرسل ) وخلفها مباشرة مكتب سكرتارية حيث الرسائل التى تبعث إلى الكنائس حيث تجد القديسين : بولس وبطرس ويوحنا ويعقوب ويهوذا وهم يحررون هذه الرسائل ثم ممر طويل وعلى الجانبين صور للدينونة والمجد وفى نهاية الممر نجد قاعة العرش الإلهى حيث نرى نورا باهرا ونسمع أصوات تسبيح جمهرة كبيرة من الخدام والكهنة والملائكة حول العرش الإلهى فى ( سفر الرؤيا ) فمن يدخل هذا القصر ويطلب الوصول إلى عرش الملك لابد له أن يمر كل هذا كى يصل إلى مجد معاينة ملك الملوك ورب الأرباب على عرشه فى مجده هذا الكتاب المقدس الذى تجاسر البعض وأخرج خنجره واندفع نحوه كى يطعنه ويمزقه كى يطعن فى النور ويمزق الثوب الذى به نستر عرينا والآن سأسوق إليك عزيزى القارئ بعض الحقائق فى الأوراق الآتية كى تعلم أن كل هذه الطعنات إنما هى طعنات واهية لا تصمد أمام كلمات الله فكلمات الله هى الحياة
بعض المفاهيم الخاصة بالكتاب المقدس
1- معنى كلمة إنجيل
كلمة إنجيل كلمة يونانية وحسب المعنى العام فهى تعنى : الخبر السار لكنها كانت تستخدم فى العهود الرومانية بمعنى : أحداث أو بشرى الانتصار وكانت هذه الأحداث تخص الملك ... مثل قصة ميلاده والنتصاراته .وكانت تستخدم هذه الكلمات فى العهد القديم بمعنى ... البشارة بالخلاص ( 2 صم 18 : 19 ، مز 68 : 11 ، أش 40 : 9 ، أش 52 : 7 ) وهكذا كانت الملائكة أيضا تعلن عن الإنجيل (البشارة المفرحة ) للرعاة : " فها انا ابشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب. 11- انه ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب. " ( لو 2 : 10-11 ) وكانت كرازة السيد المسيح هى الإنجيل نفسه بمعنى البشارة بالملكوت الذى سيصنعه هو بصليبه ( لو 4 : 43 ) وعلى هذا المستوى يكون الإنجيل هو البشارة بالمسيح ذاته .فقد كانت الكنيسة تقدم الإنجيل بهذه الصورة على ما يقرب من خمسة وعشرين عاما قبل أن تدون هذه البشارة ولما دونت الأناجيل أصبحت البشارة المفرحة المكتوبة هى الإنجيل
2- مفهوم الوحى والإملاء
هناك فرق بين الوحى والإملاء
الوحى هو أن يرسل الفكرة ويصبغ العقل بما يريد ولكنه يترك النبى أة الكاتب يصيغ الفكرة بأسلوبه مثلما قال داود النبى : " قد افهمني الرب كل ذلك بالكتابة بيده علي " ( 1 أخ 28 : 19 )
وهذا معناه أن الله أعطى مفهوما داخليا واضحا يصفه داود النبى بأنه :" كتب بيده عليه " ولكن داود النبى هو الذى صاغ تلك المفاهيم المكتوبة بداخله فى صورة كلمات استطاع بها أن يصف ما بداخله أما الإملاء فهو أن يقول الله كلمات بعينها ينقلها النبى أو الكاتب كما هى وبنفس الصيغة التى سمعها بها والكتاب المقدس يشمل الصورتين : الوحى والإملاء
ولقد أراد الله أن يشترك الإنسان فى صياغة الكتاب المقدس لأنه :
أولاً : كتاب للبشر فترك الله الصياغة للبشر وذلك لأن الحكم على الصياغات مختلف فمثلا هناك من يحب الشعر ومن لا يحبه فإذا أنزل الله كلمات بعينها قد لا تتوافق مع ميول البشر لذلك أراد الله أن يشترك الإنسان فى صياغة الكتاب المقدس
ثانياً : لأن هذه هى حكمة الله الدائمة أن نشترك فى العمل معه فنحن نشترك فى خلقة الإنسان بالتناسل ونشترك فى عمل الخلاص بالجهاد بإرادتنا واختيارنا
ثالثا : حتى ما يرفع الله الإنسان بهذه الشركة فى كلماته إلى مستوى تدبير الخلاص
إذا الله يهتم بالمعنى ويوحى به للكتاب ويترك له الصياغة أو يهتم بالمعنى ويضمن هو أيضا بإرشاده للكاتب عصمته له من الانحراف عن المعنى الموحى به فقضية اللفظ والحرف فى الكلمات المقدسة ضيقة جدا ولكن المعنى هو الأهم فمثلا ما قاله إشعياء النبى : " ما اجمل على الجبال قدمي المبشر المخبر بالسلام المبشر بالخير المخبر بالخلاص القائل لصهيون قد ملك الهك " ( إش 52 : 7 )
ما هو المهم فى تلك الآية ؟ ...أليست البشارة بالخير وبملكوت الله ؟ فالله يرسل المعنى أنه سيأتى ليملك ويخلص ويترك النبى يصيغ النبوة فى صورتها الأدبية الرائعة التى رأيناها فيها فما يريده الله كمعنى قد وصل إلى البشير بصياغة الكاتب أو بأى صياغة أخرى المهم أن يصل المعنى للإنسان فالكلمات والألفاظ طرق تعبيرية للمعانى
يقول ريتشارد سن : " إن معنى الوحى فى الكتب المقدسة وفقا للمعنى المصيحى المنضبط هو أن أجد فوق رسالة الله المرسلة إلى العالم اسمى وعنوانى وسلطان الكتاب المقدس يعنى بالنسبة إلى ما تطلبه رسالة الله منى طاعتى وإيمانى إذن ينبغى أن أنصت إلى ما يقوله الله وأسرع إلى توجيه حياتى وفق مشيئته "
وأعظم دليل على موضوع الوحى فى الكتاب المقدس هو أن الكتاب المقدس قد كتبه أربعون شخصا مختلفون فى الثقافات والبيئات والمواهب كما أنهم عاشوا فى أماكن وأزمنة مختلفة ومع ذلك نرى فى النهاية نغمة واحدة وإيقاع واحد يحكم كل الكتاب وهو الاتجاه للخلاص ومعرفة البشر جميعا لله فعلى مدار ستة عشر قرنا كتب فيها الكتاب المقدس نجد أن قضية الخلاص الموجودة فى سفر التكوين والخروج هى ما يحققه السيد المسيح فى الأناجيل وما يتكلم عنه بولس الرسول فى رسائله وما ينكشف لنا فى سفر الرؤيا
3- مفهوم العصمة
بعد أن غرفنا مفهوم الإنجيل ومفهوم الوحى هل يمكن أن يكون كل مفهوم العصمة هو العصمة من الأخطاء النحوية والإملائية عند الكتاب والنساخ ؟ وتكون هناك بعد الطباعة أيضا للمطبعة ؟ بالطبع لا لأن هذه الأخطاء ستتلاشى عند الترجمة لنتخيل معا أن هناك مبشر جاء كى يبشر إحدى البلاد بالإنجيل فلم يقتنعوا به ولم يصدقوه لأنه حينما كلمهم عن المسيح وقع فى أخطاء نحوية هل هذا ممكن ؟ ولكن أنظر معى المفهوم الذى علمه السيد المسيح عن مفهوم العصمة : " ولا يمكن أن ينقض المكتوب " ( يو 10 : 35)
وهذا معناه :
1- أن كل كلمة فى الكتاب المقدس صادقة
2- أنه لا يوجد مفهوم فى الكتاب المقدس يناقض أو يلغى مفهوما آخر فالآيات كلها تكمل بعضها البعض
3- أن كل كلمة فى الكتاب المقدس لها قوة وسلطان حكم الله وقد يقول أحد أن هناك تناقض بين القديم والجديد فى التعاليم وإيهم نقول نقول أنه لا يوجد تناقض ولكن يوجد مستويات للتعليم فكلام الله كان يقدم فى القديم لبشر محصورين فى أمور مادية ولم يكن قد أخذوا قوة الروح القدس أو انفتحت عيونهم على الأمور السمائية كما أنه هناك تنظيمات فى العهد القديم تخص المملكة الأرضية لشعب الله ولكنها لا تخص المملكة الروحية مثل القوانين التى كانت تنظم علاقات الأفراد ببعضهم أو انحرافاتهم
فالعصمة هنا تعنى عصمة المعنى وعدم تناقضه مع معنى آخر وأن الله يسكن فى كل معنى وموجود فى كل فكرة فالذى وعد الله به فى العهد القديم يصنعه ويحققه فى العهد الجديد ولهذا فإننا نجد أن الإنجيل وحدة واحدة فإذا طلبنا من أربعين مؤلف أن يؤلفوا قصة واحدة متكاملة على أن يؤلف كل منهم فصلا منها سنرى فى النهاية تناقضا وضعفا وضياعا لمعانى كانت موجودة فى فصول لم يؤكد عليها المؤلفون الآخرون
لكن الكتاب المقدس بوحدته القوية التى تجمع بين أسفاره ونبواته المتناسقة يؤكد لنا أن الؤلف ليس إنسانا لكنه الله وإنما كتب بيد إنسان فإن كان هناك أناس قد كتبوه لكنهم لم يؤلفوه فالله هو الذى أعد ودبر وصنع هذه القصة يقول البابا أثناسيوس :" الكتاب المقدس هو ينابيع الخلاص فليقبل إليها كما ظمآن ليرتوى بكلامه "
الفصل الثاني : المدارس التى طعنت فى الكتاب المقدس
• مدرسة الإلحاديين
• مدرسة النقد العالى الكتابى
• الرد على هذه المدارس
• مدرسة الذين نادوا بفكرة تحريف الكتاب المقدس
هناك ثلاث فئات طعنت فى الكتاب المقدس ولم تفلح أفكارهم
أولا : مدرسة الإلحاديين
ثانيا : مدرسة النقد العالى
ثالثا : مدرسة الذين نادوا بفكرة تحريف الكتاب المقدس
أولا : مدرسة الإلحاديين
هؤلاء هاجموا الكتاب المقدس منكرين أنه كلمات الله إذ قالوا أن هذا الكتاب نتاج أدبى مؤلف وأن أبطاله من صنع الخيال وكل ما فيه أساطير فاليهود أرادوا أن ينسجوا بطولات لهم لعبدوا بها إليهم وأراد المسيحيون أن يصنعوا من معلمهم إلها وبطلا إذ أن الإنسان يحتاج إلى قوة خارقة يرتكز عليها فيقول الفيلسوف الملحد فويرباخ :" الإنسان الشقى يبحث عن السعادة المنشودة وإذا لم يجدها فى ذاته ولا على الأرض يتوهم أنه وجدها فى شخص غريب عن الدنيا اختلقته مخيلته ويسميه الله " ولهؤلاء نقول أنه لو كان الكتاب المقدس مؤلف أدبى أسطورى لما وجدنا أية أدلة تاريخية أو حقيقية واقعية تثبت تلك الأحداث التى بداخله ولكن تعال عزيزى القارئ لنعرف بعض الأدلة التى تثبت صحة أحداث الكتاب المقدس لأن الأدلة كثيرة جدا ومنها :
1- شهادة الآثار
يمكننا عزيزى القارئ أن ندلل على كل ما حدث وكل كلمة فى الكتاب المقدس من خلال آثار موجود تشهد لصدق ما ورد فى الكتاب المقدس فى العهد القديم وأيضا العهد الجديد
بالنسبة للعهد القديم
1- وجدت نقوش بابلية وآشورية تحكى عن قصة التكوين
2- وجدت قصة يوسف البار منقوشة على لوحة فى مقبرة أحد عظماء مصر ويدعى ( ألقاب )
3- اكتشفت منحوتات فرعونية يرجع تاريخها إلى عصر تحتمس الثالث تصور تسخير الفراعنة للعبرانيين فى بناء المخازن ( فيثوم أو رعمسيس )
4- اكتشف العلماء أسوار أريحا المهدمة سنة 1936 ويقول العالم بارستانج أن أسوار أريحا قد سقطت إلى الخارج وهذا شئ غريب لأن أى أسوار تسقط إلى الداخل أما الحفريات فقد جاءت لتؤكد ما ورد فى الكتاب المقدس فى سفر يشوع ( يش 6 : 20 )
5- اكتشفت لوحة فى تل العمارنة بالخط المسمارى يستنجد فيها حاكم فلسطين بفرعون مصر كى يساعده ضد شعب خطير أتى نحوه يدعى عبيرو ( أى العبرانيين )
يقول الدكتور أولبرايت عالم الآثار المشهور :" حتى وقت قريب كان اتجاه كثير من العلماء أن آباء سفر التكوين جاءوا من خلق خيال الكتبة العبرانيين وأنهم لم يكونوا أشخاصا حقيقيين لكن هذا تغير بعد ظهور الاكتشافات عام 1925 والتى أثبتت كل ما جاء فى سفر التكوين "
ويقول عالم الآثار اليهودى الاصل نلسون جويك :" لم يحدث اكتشاف أثرى واحد ناقض ما جاء فى الكتاب المقدس "
أما بالنسبة للعهد الجديد
فقد قال الملحدون أن ما جاء فى الأناجيل مجرد أسطورة لبطل من صنع خيال الكتاب فماذا قال التاريخ والآثار فى ذلك ؟ قال أنه توجد اكتشافات كثيرة جدا تؤكد صدق أحداث الكتاب المقدس ومن بينها إكليل الشوك الذى وضع على رأس السيد المسيح قبل الصلب وهو محفوظ حاليا بكاتدرائية نوتردام بباريس
2- شهادة التاريخ
فى عام 1945 اكتشفت لوحتان منقوشتان على عظام فى قبر بالقرب من أورشليم عليها كتابة بالجرافيت ويتبين منها الآتى :
أولا : اللوحة الأولى عليها صلاة لشخص يطلب فيها القيامة من الأموات والثانية عليها صلاة لطلب المعونة من المسيح
ثانيا : كل منهما عليها رسم للصليب
فإذا عرفنا أن الأبحاث العلمية أكدت أن ذلك القبر يرجع استعماله إلى ما قبل عام 50 م لتوصلنا إلى الحقائق التالية :
1- أن الصليب كان حقيقة معروفة فى النصف الأول من القرن الأول الميلادى
2- أن القيامة كانت واقعة تاريخية تذكر فى الصلوات
3- أن الصلاة كانت إلى السيد المسيح منذ ذلك الوقت المبكر جدا وليس فقط فى العصور المتأخرة كما يدعى البعض
ذلك بالإضافة إلى كتابات المؤرخين الغير مسيحيين الذين عاصروا تلك الفترة مثل : يرسيفوس المؤرخ اليهودى الذى كتب السيد المسيح قائلا :" أنه إنسان حكيم عمل أعمالا عجيبة وحكم عليه بيلاطس بالموت صلبا وذلك بناء على اتهام أشخاص ميؤلين بيننا " وتاسيتوس الرومانى الذى كتب عن الرسل والشهداء وأيضا كتابات التلمود التى تكلمت عن السيد المسيح وصلبه فيقول التلمود :" لقد أغوى يسوع اليهود بالارتداد وقد حكم عليه عشية الفصح "
3- تحقيق النبوات يؤكد صدق القصة
فهناك أكثر من 120 نبؤه فى العهد القديم عن السيد المسيح تحققت جميعها منها حوالى 30 نبؤه عن الصليب والقيامة وقد أرسلت هذه النبوات على مدى حوالى 1000 سنة وهى موجودة فى أسفار العهد القديم كله وثابته فى كل المخطوطات التى اكتشفت للعهد القديم وقد تحققت جميعها وبكل دقة وفى دراسة لعلماء الإحصاء وجد أناحتمال تحقق نبؤه واحدة عن طريق الصدفة هو بنسبة 1 : 10 ولنا أن نتخيل هذا الاحتمال الخيالى إذ ما عرفنا أن (10) من الريالات الفضية تكفى لتغطية ولاية تكساس بارتفاع 60سم وأن (10) منها تكفى لتغطية الشمس من كل ما سبق يتأكد لنا بأمور ملموسة صحة ما جاء فى الكتاب المقدس وأن الأحداث التى وردت به قد حدثت بالفعل وليس كما يدعى البعض أنها قصص مؤلفة أو بطولات صنعناها من أجل الاحتياج الدينى فالشعب اليهودى بينما هو ضعيف ومستعبد يهزم فرعون بل ويهزم أيضا كل الأمم التى أمامه فكيف يحدث هذا ؟ إنها يد الله التى براها فى الكتاب المقدس والسيد المسيح الذى صنع المعجزات وصلب وقام وهو ما يؤكد المعاصرون للأحداث والمؤرخون يجلنا نثق فى تلك الكتاب المقدس ونقف أمام إدعاءات بكل تلك الحقائق
ثانيا: مدرسة النقد العالى أو النقد الكتابى
أصحاب هذه المدرسة هم الذين الكتاب المقدس تحت ستار العلم والبحث وأغلبهم من جامعات لاهوت ألمانيا وإنجلترا لكنهم طعنوا فى الكتاب المقدس لأنهم تحرروا من تقديسهم للكلمة فقاموا بتجريدها من كل شئ فائق للطبيعة والمادة وأخطعوها للعلم وسميت هذه المدرسة بالنقد العالى لأن أصحابها ظنوا أنهم بعلمهم فى مكان أعلى من الكتاب المقدس ولأن العلم يخضع للمعرفة والمعرفة متطورة فإن هذا المقياس لا يصلح للكتاب المقدس الذى هو لكل العصور أى أننا قد نقوم بدراسة بعض الأمور التاريخية فى ضوء المعرفة الحاضرة فنحكم على الكتاب المقدس بأن هذه الأمور لام تكن موجودة ولكن فى عصر آخر نكتشف أمورا جديدة تجعلنا نصدق الأحداث التى حكمنا عليها سابقا بالإنكار
فمثلا : كتب هؤلاء وقالوا أن موسى النبى لا يمكن أن يكون هو الكاتب للتوراة لأن الكتابة لم تكن قد اكتشفت بعد فى عصره لكن الاكتشافات الأثرية الحديثة فى حمورابى أكدت وجود الكتابة قبل موسى بثلاثة قرون ويقول نلسون جويك وهو أحد ثلاثة من أعظم علماء الآثار :" لم أجد فى كل أبحاثى فى الحفريات ما يناقض أى عبارة فى كلمة الله "
وتنقسم مدرسة النقد العالى إلى أربعة مذاهب :
1- المذهب الطبيعى ( 1761-1851 )
هؤلاء نادوا بأن أحداث الإنجيل صحيحة من حيث التاريخ ولكنها ليست من تدخل قوة الله بل إن كل أحداث الإنجيل من فعل الطبيعة
فمثلا من العهد القديم : قالوا أن عبور موسى النبى البحر ليس بمعجزة فى نظرهم ولكنه كان نتيجة ريح شرقية عصفت بالماء وشقته فعبر الشعب
ومثل آخر لهذا المنهج من العهد الجديد : قالوا أن معجزة الخمس خبزات والسمكتين لم تكن شيئا خارقا للطبيعة بل أنه عندما وقف السيد المسيح ليصلى على الخمس خبزات والسمكتين بعد العظة تدفق الأكل من الحاضرين أمام السيد المسيح وأعاد التلاميذ توزيعه فشبع الجميع إن هذه التحليلات أشبه بالكوميديا البلهاء وهذا المنهج كما ترى عزيزى القارئ ضعيف جدا إذ منهج يمكن أن يقال عنه أنه تلتفيقى فهو لا يستند على حقائق واستنتاجات لكنه يقدم تفسيرات ضعيف ملفقة ولا أساس لها من الواقع لمجرد أن يثبت بها موقفه المبدئى الرافض لأى شئ فوق المادة والطبيعة
2-المذهب الأسطورى ( 1808-1834 )
هؤلاء نادوا بأن حوادث الإنجيل أسطورة غير تاريخية أى لم تحدث فى التاريخ ولا يمكن أن تكون واقعية
وأهم مؤسس لهذا المذهب هو " دافيد شترواس " أستاذ اللاهوت الألمانى فقد كتب كتاب ( حياة يسوع ) الذى أعتبر فيه أحداث الإنجيل أسطور غير تاريخية وغير واقعية وقال أن هذه الأحداث مؤلفة بواسطة آباء الكنيسة فى القرن الثانى ونسبوها لتلاميذ المسيح وهو بذلك يشبه المنهج الإلحادى الذى تكلمنا عنه سابقا ويقترب من فكرة التحريف التى سنتكلم عنها فيما بعد
3- المذهب الإتجاهى ( 1792-1860 )
هؤلاء نادوا بأن المسيحية الحالية هى الاتجاه الذى يصلح بين اتجاهين ومؤسس هذا المذهب هو " فريناند كريستيان " وهو أستاذ ألمانى للاهوت وله نظرية غريبة جدا مؤداها أن المسيحية الحالية هى الاتجاه الذى يصلح بين اتجاهين الاتجاه الأول هو اتجاه بطرس الرسول الذى يحتوى على صورة متطورة من الديانة اليهودية والذى كتب الاتجاه لبطرس الرسول هو تلميذه مار مرقس فى إنجيله والاتجاه الآخر هو اتجاه بولس الرسول الذى هو اتجاه شمولى انفتاح والذى كتب هذا الاتجاه لبولس الرسول هو القديس لوقا فى إنجيله وقد حاول القديس يوحنا أن يصنع توافقا بين المذهبين فتأسست المسيحية فيما بعد على الاتجاه الوسيط
وهذا الرأى غريب جدا أن يصدر عن شخص تخصص فى اللاهوت وتفترض فيه معرفة معانى ورموز الحياة المسيحية ودراسة الكتاب المقدس وأغلب الظن أن الشخص لم يتذكر ما كتبه مار بطرس الرسول فى ( 2بط 3 : 15-16 )
" 15- و احسبوا اناة ربنا خلاصا كما كتب اليكم اخونا الحبيب بولس ايضا بحسب الحكمة المعطاة له.
16- كما في الرسائل كلها ايضا متكلما فيها عن هذه الامور التي فيها اشياء عسرة الفهم يحرفها غير العلماء و غير الثابتين كباقي الكتب ايضا لهلاك انفسهم " وبهذا يعلن الرسول بطرس موافقته على فكر بولس الرسول ويؤكد أن اتجاهه هو نفس اتجاه بولس الرسول
4- المذهب النقدى
هؤلاء نادوا تسجيل أحداث حياة السيد المسيح فى الأناجيل يشوبها الكثير من المبالغة هذا المذهب جمع عددا كبيرا من الذين طعنوا فى الكتاب المقدس مثل " هلاناك " الألمانى و " لوزاى " الفرنسى وينادى هؤلاء بأن تسجيل أحداث حياة السيد المسيح فى الأناجيل يشوبها الكثير من المبالغة فهو فى نظر " هرناك " مجرد رجل فاضل ومعلم ممتاز أضيفت إليه الأمور اللاهوتية فى الأناجيل بسبب حماسة التلاميذ وتجاهل هؤلاء أحداث عامة شاهدها آلاف من الناس غير التلاميذ مثل : الصلب والقيامة ومن قبلها المعجزات التى يذكرها أعداء المسيحية قبل المسيحيين أنفسهم ومن أهم الكتب التى قامت بنقد الكتاب المقدس : كتاب ( البحث عن يسوع التاريخى ) الذى جمع بين دفتيه أغلب الطعنات التى أصبحت المادة الأساسية لكل من يريد أن يطعن فى الإنجيل وقد كتبه اثنان من رواد مدرسة النقد العالى هما :" ألبرت سوايرز " و " جراهام سكروجى " كانت هذه هى المدارس النقدية القديمة والتى ذبلت وانزوت عبر الزمن ولكن فى العصر الحديث ذهب بعض الكتاب الذين ينتمون إلى هذه المدرسة أو تلك إلى إثبات وجهة نظر أساتذتهم من خلال عمل دراسة نقدية أو نظرية افتراضية للكتاب المقدس وخرجوا للعالم بهذه الأفكار التشكيكية مرة أخرى لكنها أفكار فى حقيقتها بناؤها هش لا تقوى أمام نور الحق وحقيقة النور
والآن عزيزى القارئ لنفحص أفكار هؤلاء بقوة إنارة روح الله لعقولنا
أولا : الكتاب المقدس هل هو كلام الله
يقول جون مكاى رئيس كلية اللاهوت فى برنستون :" إن الكتاب المقدس كوثيقة تاريخية يجب أن تدرس ويبحث بأقصى ما يكون النقد التاريخى والعلمى "ويقول رواد هذه المدرسة المدعمة العلم :" الإنجيل ليس مجرد كلمات إلهية ولكنه كتب عن طريق جماعة بشرية وبلغة عادية "
ويقسمون الكتاب المقدس إلى ثلاثة أقسام
- كلام الله
- كلام الأنبياء
- كلام المؤرخين
فيقولون أن الكتاب المقدس بشرى فيه أخطاء يتخلله الوحى فى سطور ( وسنناقش فيما بعد الأخطاء التى يدعونها فيه ولكننا الآن سنناقش قضية : هل هو كلام الله أم كلام بشرة ؟ )
والرد على ذلك سهل جدا لأن المنطق الذى يفكرون به ضعيف جدا وقياسهم للفرق بين كلام الله وكلام البشر غير سليم وهذ للآتى :
1- كيف سيوضع الكتاب المقدس تحت البحث ؟ وبأى وسائل ومعايير علمية وتاريخية سيقاس بها ؟ فمن يملك كل العلم وكل المعرفة ليزن ويبحث بها كلمات الله كلى العلم والمعرفة ؟ فذلك يشبه أشخاصا جاهلين جاءوا كى يحكموا على العلماء فالقضية خاسرة وتفتقر منذ البداية إلى منطق البحث والتقييم
2- بأى معيار علبمى سيتم بحث النبوات وتحقيقها ؟ وبأى معيار علمى سيتم دراسة الفداء وقيامة السيد المسيح والصعود وحلول الروح القدس ؟
3- كما أن التقسيم المزعوم بأن الكتاب المقدس هو كلمات الله وكلمات المؤرخين غير منطقى لأن كلمات المؤرخين فى الكتاب المقدس ما هى إلا أعمال الله مصاغة فى كلمات البشر فهى إذن تحمل قديسة المعنى لأنها تصف ما صنعه الله القدوس فهم لم يصفوا تاريخ شعب ولكن وصفوا تاريخ علاقة الله بالإنسان فالكتاب المقدس هو عمل الله للإنسان مكتوب بلغة مقدسة على مستوى العمل وليس الحرف إذن هؤلاء لم يطعنوا فى صحة الكتاب المقدس ولكنهم قسموا كلماته إلى كلمات إلهية وبشرية فإذا ما قدمنا لهم آيات من الكتاب المقدس تؤكد أن الله نفسه ينسب هذه الكلمات البشرية إلى ذاته فإن هذا يعنى قدسية كل كلمة فيه وتكون بذلك قضيتهم منتهية
فنحن نجد فى الكتاب المقدس شهادة قوية من فم الله لكل قسم من اقسامه :
- أسفار التوراة
- الأسفار التاريخية
- أسفار الحكمة
- أسفار النبوات
- العهد الجديد
1- أسفار التوراة : ( تكوين – خروج – لاويين – عدد – تثنية )
لفظ توراة بالعربية ( yarah ) يعنى : يرمى أو يواجه والترجمة الحرفية تعنى : تعليم أو إرشاد يوجه من شخص من خلال معرفته الشخصية فما كتبه موسى النبى لم يكن إملاء فقط بقدر ما كان تعليما وإرشادا من الله تم صياغته بإرشاد الروح القدس وكان ذلك بأمر من الله إذ قال له :: اكتب هذا تذكارا فى الكتاب " ( خر 17 : 14 ) وما كتبه موسى النبى كان كلام الله إذ يقول : " لا تزيدوا على الكلام الذي انا اوصيكم به و لا تنقصوا منه لكي تحفظوا وصايا الرب الهكم التي انا اوصيكم بها " ( تث 4 : 2 ) ، " كل الكلام الذي اوصيكم به احرصوا لتعملوه لا تزد عليه و لا تنقص منه " ( تث 12 : 32 )
2- الأسفار التاريخية :
( يشوع – قضاة – راعوث – صموئيل الأول – صموئيل الثانى – ملوك أول – ملوك ثانى – أخبار أيام أول – أخباتر أيام ثانى – عزرا – نحميا – أستير ) تلك التى يقولون عنها أنها ليست كلمات الله هذا ما يقوله الله عنها وفيها :
يقول داود النبى : " و الان يا سيدي الرب انت هو الله و كلامك هو حق و قد كلمت عبدك بهذا الخير " ( 2 صم 7 : 28 ) ،" روح الرب تكلم بى وكلمته على لسانى " ( 2 صم 23 : 2 ) ، " فكلم صموئيل الشعب بقضاء المملكة وكتبه فى السفر ووضعه أمام الرب " ( 1 صم 10 : 25 )
3- أسفار الحكمة :
( أيوب – المزامير – الأمثال – الجامعة – نشيد الإنشاد )
" لا انقض عهدي و لا اغير ما خرج من شفتي " ( مز 89 : 34 )
" كل كلمة من الله نقية ترس هو للمحتمين به. 6- لا تزد على كلماته لئلا يوبخك فتكذب. " ( أم 30 : 5 )
4- أسفار الأنبياء :
( إشعياء – إرمياء – مراثى إرميا – حزقيال – دانيال – هوشع – يوئيل – عاموس – عوبيديا – يونان – ميخا – ناحوم – حبقوق – صفنيا – حجى – زكريتا – ملاخى )
" فتشوا في سفر الرب و اقراوا واحدة من هذه لا تفقد لا يغادر شيء صاحبه لان فمه هو قد امر و روحه هو جمعها " ( إش 34 : 16 )
" روحي الذي عليك و كلامي الذي وضعته في فمك لا يزول من فمك و لا من فم نسلك و لا من فم نسل نسلك قال الرب من الان و الى الابد " ( إش 59 : 21 )
" لاني انا ساهر على كلمتي لاجريها " ( إر 1 : 12 )
" فقال لي يا ابن ادم قم على قدميك فاتكلم معك. 2- فدخل في روح لما تكلم معي و اقامني على قدمي فسمعت المتكلم معي. 3- و قال لي يا ابن ادم انا مرسلك الى بني اسرائيل الى امة متمردة قد تمردت علي هم و اباؤهم عصوا علي الى ذات هذا اليوم. 4- و البنون القساة الوجوه و الصلاب القلوب انا مرسلك اليهم فتقول لهم هكذا قال السيد الرب. 5- و هم ان سمعوا و ان امتنعوا لانهم بيت متمرد فانهم يعلمون ان نبيا كان بينهم. 6- اما انت يا ابن ادم فلا تخف منهم و من كلامهم لا تخف لانهم قريس و سلاء لديك و انت ساكن بين العقارب من كلامهم لا تخف و من وجوههم لا ترتعب لانهم بيت متمرد. 7- و تتكلم معهم بكلامي ان سمعوا و ان امتنعوا لانهم متمردون. " ( حز 2 : 1-7 )
" فقد جعلتك رقيبا لبيت اسرائيل فتسمع الكلام من فمي و تحذرهم من قبلي " ( حز 33 : 7 )
" و كلمت الانبياء و كثرت الرؤى و بيد الانبياء مثلت امثالا " ( هو 12 : 10 )
" لكن كلامي و فرائضي التي اوصيت بها عبيدي الانبياء افلم تدرك اباءكم؟ " ( زك 1 :6 )
" 9- هكذا قال رب الجنود قائلا اقضوا قضاء الحق و اعملوا احسانا و رحمة كل انسان مع اخيه.
10- و لا تظلموا الارملة و لا اليتيم و لا الغريب و لا الفقير و لا يفكر احد منكم شرا على اخيه في قلبكم.
11- فابوا ان يصغوا و اعطوا كتفا معاندة و ثقلوا اذانهم عن السمع. 12- بل جعلوا قلبهم ماسا لئلا يسمعوا الشريعة و الكلام الذي ارسله رب الجنود بروحه عن يد الانبياء الاولين فجاء غضب عظيم من عند رب الجنود. " ( زك 7 : 9-12 )
" 4- فتعلمون اني ارسلت اليكم هذه الوصية لكون عهدي مع لاوي قال رب الجنود.
5- كان عهدي معه للحياة و السلام و اعطيته اياهما للتقوى فاتقاني و من اسمي ارتاع هو.
6- شريعة الحق كانت في فيه و اثم لم يوجد في شفتيه سلك معي في السلام و الاستقامة و ارجع كثيرين عن الاثم. " ( ملا 2 : 4-6 )
5- العهد الجديد :
كما أن السيد المسيح ينسب كلمات الناموس إلى الله فإنه ينسب كلمات العهد الجديد إلى ذاته :
" الى ان تزول السماء و الارض لا يزول حرف واحد او نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل " ( مت 5 : 18 )
" لان لستم انتم المتكلمين بل روح ابيكم الذي يتكلم فيكم " ( مت 10 : 20 )
" السماء و الارض تزولان و لكن كلامي لا يزول " ( مت 24 : 35 )
" قدسهم في حقك كلامك هو حق " ( يو 17 : 17 )
6-كما يشهد الآباء الرسل أيضا لكلمات الكتاب المقدس
" لنعرف الاشياء الموهوبة لنا من الله. 13- التي نتكلم بها ايضا لا باقوال تعلمها حكمة انسانية بل بما يعلمه الروح القدس " ( 1كو 2 : 12-13 )
" كل الكتاب هو موحى به من الله و نافع للتعليم و التوبيخ للتقويم و التاديب الذي في البر " ( 2تى 3 : 16 )
" ان كل نبوة الكتاب ليست من تفسير خاص. 21- لانه لم تات نبوة قط بمشيئة انسان بل تكلم اناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس " ( 2بط 1 : 20-21 )
مما سبق نرى أن الكتاب المقدس ينسب كل كلماته إلى الله ولا ينسب أية كلمة فيه إلى إنسان فالكتاب المقدس وحدة واحدة منسوبة إلى الله الذى ساق الذين كتبوه بروحه القدوس .
ثانيا : الكتاب المقدس والأساطير
يقول البعض أن قصص العهد القديم أشبه بالأساطير بل أيضا زعموا أن موسى النبى تأثر بأساطير الفراعنة والكلدانيين والكنعانيين واليونانيين وصاغ سفر التكوين متأثرا بها ويؤكدون ذلك بأن بعض الأساطير تشبه فعلا سفر التكوين مثل ملحمة جلجاميش ولكننا نسأل ... ولماذا لا يكون العكس ؟ .... أى أن ما كتبه موسى النبى عن قصة التكوين هو فعلا قديم قبل أى أسطورة فالبشرية الأولى كانت تعرف هذه القصص جيدا لأن عهدها كان قريبا من حدوثها ولأن البشرية الأولى قبل اختلاف اللغات كانت شعبا واحدا ولسانا واحدا فقد كانت هذه القصص معروفة للجميع فالخلق والطوفان وانتظار المخلص أفكار توارثتها الأجيال ولكن حينما تبددت الشعوب وتفرقت فى كل الأرض حسب الألسن ( تك 11 : 8-9 ) وابتعدت كل أمة عن الأخرى وانقضت أجيال وأجيال لم يبق من هذا التراث العائلى لقصة البشرية سوى أفكار مجردة ومع شؤال الأجيال الجديدة عن الله وأصل الوجود أصبح هناك احتياج شديد للمعرفة فصاغت الشعوب تراثها القديم فى صورة أساطير تدور كلها حول الإلوهية والخلاص ولكن بصورة مشوهة بأفكار أخرى وتراكمات زمنية وحينما أراد الله أن يسجل موسى النبى حقيقة القصة وجدنا ما يشابهها وما لا يشابهها فى تلك الأساطير لهذا فان وجود أساطير ترجع إلى زمن قديم فيه نفس أفكار سفر التكوين يؤكد لنا صحة الكتاب المقدس وليس دليلا على تأليفه
كما أنه بالرغم من التشابه بين أحداث سفر التكوين وبعض الأساطير الإ أننا نجد اختلافا كبيرا بين أحداث سفر التكوين وأساطير أخرى كثيرة فإذا كان موسى النبى أخذ من الأساطير فعلى أى أساس كان يختار منها ؟ وكيف صنع هذه القصص الطويلة ؟ وكيف صاغ تلك التنبؤات والوعود التى تحققت بدقة كاملة فيما بعد فى المسيح ؟
يقول ابدرسيم :" هذه الأساطير فى الحقيقة ما هى الإ بقايا الأعمدة المحيطة لذاك الذى كان قبلا هيكلا للحق بعد أن تناثرت واستحالت إلى تقاليد بشرية منذ أقدم العصور "
كما يقولون أيضا أن أحداث الكتاب المقدس ومعجزات السيد المسيح تشبه أساطير اليونان وأنها مستقاة أو منقولة منها إلى الأناجيل
نقول لهم يا أحبائى...
لقد كان هناك أشخاص معاصرين لقصص الأناجيل يحكى عنهم المؤرخون والأماكن التى حدثت فيها هذه القصص لا تزال قائمة وآثارها تشهد بقوة وواقع ملموس فهل ممكن مثلا أن نقول أن الفراعنة كانوا نسجا من خيالنا ؟ مستحيل لأن لهم آثار يرجع تاريخها إلى عهدهم هكذا أيضا الآثار وكتابات المؤرخين والمعاصرين تشهد بأن ما كتب فى الإنجيل حقيقة صادقة كما سنرى فيما بعد
ثالثا الأسفار المفقودة
أثيرت قضية أخرى وهى أن هناك كتابات قد فقدت فى الحروب التى حدثت فى العهد القديم لأنه يوجد ذكر لهذه الكتابات فى الأسفار ولكن هى نفسها غير موجودة مثل سفر ياشر وأخبار الحروب وما كتبه مار لوقا فى مقدمه إنجيله عن الكتابات الأخرى المرفوضة
والرد على ذلك أى مدقق فى حياة اليهود يعرف استحالة أن تكون هناك كتابات مقدسة فقدت فى الحروب إذ أن عبادة اليهود تتضمن قراءات فى الكتب المقدسة هذا إلى جانب حرص اليهود الشديد على كلمة الله والحفاظ عليها حتى أنهم طائفة الكتبة لحفظ تفسير الكتب وليس لحفظ الكتب فقط
والفكرة التى يرتكزون عليها هى أنه وقت السبى دمرت كل الأشياء وحرقت الأسفار ولكن هذا لم يحدث فارجع معى إلى ( 2ملوك 25 ) و ( 2 أخبار أيام 36 ) فقلد تم فيها وصف ما حدث فى سبى نبوخذ نصر وستجد ذكر لكل الأشياء التى حطمها وسرقها ولكن لم يذكر فيها أبدا أن الكتابات المقدسة قد ضاعت بل قد كان هناك أشخاص كثيرون حملوا معهم الكتابات المقدسة والدليل على هذا الآتى :
اولا : فى ( دا 9 : 2 ) و ( دا 10 : 21 ) ستجد ذكر الأسفار المقدسة فى السبى وهذا معناه أنه كانت توجد هناك على الأقل نسخة محفوظة أى غير ضائعة
ثانيا : الذى يؤكد لنا أيضا أنها لم تضع هؤلاء المعاصرين للسبى من رؤساء الكهنة والكهنة والمعلمين الذين كانوا يحفظون الناموس بدليل أنهم كيف عرفوا المذبح ليبنوه ؟ ( عز 6 : 16 ) و ( نح 1 : 7 ) وكيف عرفوا طقوس الذبائح وطقوس الأعياد إن لم تكن هذه الأمور محفوظة وموجودة عندهم فى الناموس ؟
أما الأسفار التى ذكرها الكتاب ولم توجد فيه فسنلقى الآن نظرة عليها ولكن تعال معى عزيزى القارئ لنعرف قبلا معنى كلمة سفر
كلمة سفر بالعبرية ( safr ) تعنى : كتاب فحينما نسمع فى الكتاب المقدس عن أسفار مثل سفر ياشر فهذا يعنى كتاب ياشر أى أن هذا لا يعنى بالضرورة أن كتاب مقدس
الكتابات التى لها ذكر فى الكتاب المقدس ولكنها لا توجد فيه هى كالآتى :
1- سفر (كتاب) ياشر
جاء ذكر هذا الكتاب فى ( يش 10 : 12-13 ، 2صم 1 : 17-18 ) وهذا الكتاب عبارة عن قصائد وأناشيد للأحداث العظيمة التى مرت بالشعب منها وقوف الشمس أيام يشوع والملاحم الحربية العظيمة فهو كتاب وطنى وليس كتابا مقدسا
أما عن سبب ذكره فى الكتاب المقدس فلكر يحيل الموضوع إلى كتاب به تفاصيل الأحداث أكثر وأيضا لتأكيد حدوثها إذ لم ينفرد الكتاب المقدس بذكر هذه الأحداث فهذه الكتب أيضا شهود إثبات على واقعية الأحداث التى وردت فى الكتاب المقدس وصحتها
2-كتاب أخبار الحروب
جاء ذكر هذا الكتاب فى ( العدد 21 : 14 ) وهو ليس ضمن الكتب المقدسة ولا من عداد كتابات الوحى لأنه كتاب يشرح صورة الحروب وكيفية إدارتها فهو كتاب تاريخى وقد تعلم اليهود تسجيل كل الحروب فى كتاب كما يفعل الفراعنة إذ كان كاتب مع الجيش ويكتب تفاصيل أحداث الحرب
3- الأسفار القانونية الثانية
ويسألوننا عن الأسفار القانونية الثانية فنقول لهم : ومن قال أنها مفقود ؟ إننا نستخدمها فى الكنائس وهى موجودة فى أناجيلنا وفى طقوسنا وعباداتنا وعدم استخدامها من البعض لا يعنى عدم وجودها أو فقدانها
4- كتابات أخرى
مثل المذكورة فى ( أخبار الأيام الأول 29 : 29 ) : " وأمور داود الملك الأولى والاخيرة هى مكتوبة فى سفر أخبار صموئيل الرائى وأخبار ناثان النبى وأخبار جاد الرائى " وناثان وجاد الرائى هما اللذان أكملا سفرى صموئيل النبى فصموئيل النبى كتب الأحداث التى عاصرها وأكمل أحداث السفر ناثان وجاد النبيان إلا أنه نظرا لأهمية الدور الذى كان لصموئيل النبى بالقياس إليهما فقد أطلق اسمه على السفرين وبذلك لا يكون هذا كتابا مفقودا بل سفرى صموئيل النبى
وقد كان لليهود كتابات أخرى هامة جدا ولكنها ليست من الكتاب المقدس مثل
• سفر الأنساب
كان يحفظ فيه أسماء كل المولودين ليتم إثبات نسبهم لشعب الله ولتحديد من أى سبط هم ( مثل سجلات الصحة للمواليد ) حتى يحددا من لهم الحق فى خدمة الرب من اللاويين والكهنة أولاد هارون وظل هذا السفر محفوظا حتى أيام السبى وبعده إذ رجعوا إليه ليعرفوا أنساب الراجعين من السبى ( عزرا 2 : 62 ) مما سبق يتأكد لنا أن هذه الكتابات المذكورة ليست من الكتاب المقدس وإن كانت هامة لبعض الأمور وذلك للآتى :
1- إما لأنها كتابات شعبية تراثية ولكن لها علاقة بالوحى ولا تخص الأنبياء
2- أو إنها تخص الأنبياء ولكن ليست لها صلة بالخلاص أى ليس لها دور فى إعداد وتدبير الله لخلاص الإنسان فما يكتب فى الكتاب المقدس هو كلمات الله وأعماله الخاصة بعمل الخلاص الذى بالمسيح فمثلا لماذا يضم الكتاب المقدس المعجزات التى حدثت بعد المسيح وهى من أعمال الله ولم يضم كلمات الله لبعض القديسين بالرغم من أنها كلمات الله أيضا ؟ لأننا لسنا بصدد تسجيلى لكل كلام الله لأى إنسان فهو لا يعد ولا يحصى لكن الكتاب المقدس يجمع كلمات الله وأعماله والرموز والأحداث الخاصة بعمليات الخلاص منذ سقوط الإنسان وحتى مجئ المسيح الثانى والحياة الأبدية
• نبؤه أخنوخ البار
وهذه النبؤة ذكرها يهوذا الرسول فى رسالته عدد 14 وبالتدقيق فى الكلمات نجد أنه يتكلم عن نبؤة وليس عن كتاب نبؤه أخنوخ البار كان يوجد وقت قبل نوح زكانت صورة الإنسانية قد وصلت إلى حالة لا يمكن الاستمرار فيها حسب ما ذكره سفر التكوين الإصحاح السادس فكلم الله أخنوخ البار برسالة تحذير إلى الشعب وتوارثت الأجيال أن الله أرسل تحذيرا إلى الشعب دون أن يكتب فى كتاب وكان هذا أمرا شائعا عند الأنبياء فليس كل تنبيه من الله يحفظ فى الكتاب المقدس أو يكون له كتاب خاص به فقد كانت هناك رسائل شخصية ونبوات لا تخص خلاص الإنسان لذلك لم تكتب فى الكتاب المقدس فإيليا النبى مثلا ساق إنذارات من الله لآخاب مذكورة فى سفر الملوك لكن لا يوجد فى الكتاب المقدس سفرا يدعى إيليا النبى وكثير من الأنبياء لم يكن لهم أسفار بأسمائهم فهل معنى هذا أنهم لم يحملوا كلمات الله ؟ فكيف كانوا إذن أنبياء ؟ لقد كانوا يحملون للملوك رسائل تحذير أو تعضيد من الله وقد كان ضمن أعمالهم أن يسألهم الملك ما إذا كان الله سيرافقهم فى أعمالهم وحروبهم أم لا فقد كانوا يسمعون من الله ويجيبون الملك فلم لم يكتب كل هذا فى الكتاب المقدس ؟ لأن محور الكتاب المقدس هو خلاص الإنسان فيكفى لنا أن نعرف أن الله كان يرافقهم فى أعمالهم وأنه كان يكلمهم ويتدخل بصورة شخصية فى حياتهم اليومية
وفى العهد الجديد :
ما ذكره القديس لوقا فى إنجيله عن الكتابات الأخرى
أما من جهة ما ذكره القديس لوقا فى إنجيله عن الكتابات الأخرى فإنه يقول : " 1- اذ كان كثيرون قد اخذوا بتاليف قصة في الامور المتيقنة عندنا. 2- كما سلمها الينا الذين كانوا منذ البدء معاينين و خداما للكلمة. 3- رايت انا ايضا اذ قد تتبعت كل شيء من الاول بتدقيق " ( لو 1 : 1-3 ) ونلاحظ هنا أنه لا يذكر أية كتابة تخص الآباء الرسل ولكن هذه الكتابات أو القصص قد ألفها أشخاص لا يعتبروا مصدر للكرازة بالمسيح فإذا أضاف هؤلاء أو حذفوا أى شئ فإن هذا لا يهم لأنها ليست كتابات قانونية فهو يقول :" الأمور المتيقنة عندنا كما سلمها إلينا " أى أن القصة الحقيقية ثابتة وراسخة فالمعاينين وخدام الكلمة هم الآباء الرسل لهذا فإن أى كتابات أخرى سواهم ليست قانونية ولا يمكن أن تبتر من الأناجيل لهذا لا يعيننا ما كتبوه إذ ليس لهم سلطان البشارة ولا هم معاينين وخدام للمسيح وظهرت كلماتهم كاذبة لأنهم كتبوا وعلموا فى أمور متيقنة عند الرسل مثل إشاعة اليهود بعد القيامة بأن التلاميذ قد سرقوا جسد الرب فقد سادت هذه الإشاعة بين اليهود ولكن من رأوا الرب عيانا بشروا بقيامته إذ أن الأمور اليقينية هى حقيقية إذن هذه الكتابات ليست أناجيل ولا مقدسة وليس لها أى اعتبار
• خاتمة إنجيل القديس مرقس
يقولون أن خاتمة إنجيل مرقس هى : " لأنهن كن خائفات " ( مر 16 : 8 )
واعتمدوا على هذا بأن الأعداد التى تلى هذا لم ترد فى مخطوطتين السينائية والفاتيكانية
بالنسبة للمخطوطتين يرجع زمان كتابتهما إلى القرن الرابع وفى صفحة المخطوط الفاتيكانى " لأنهن كن خائفات " ثم فراغ ثم بداية إنجيل لوقا
أولا : حتى نعلن عن هذا يجب أن لا توجد هذه الآيات فى أكثر المخطوطات وأن تكون هناك مخطوطات قليلة هى التى تعلن هذا
ثانيا : أن تكون الآيات التى لم تكتب تحمل معنى لا يتوافق مع لإيمان العام أو باقى الأناجيل
ثالثا : ألا نجد هذه الآيات فى سياق كتابات الآباء سبق تاريخ كتابتهم عن هذا التاريخ
رابعا : نسأل أنفسنا من الذى دس باقى الآيات ولماذا ؟
والرد على ذلك
أولا :
1- البردية 45((p45 بمكتبة شستربيتى – دبلن برقم (1) : توجد أجزاء من 30 ورقة وتشتمل على أجزاء من البشائر ويوجد بها خاتمة مار مرقس كاملة ( مر16 : 9-20) وهذه البردية يرجع تاريخ كتابتها إلى 150م
2- النسخة السكندرية : توجد بها خاتمة إنجيل مرقس وهو يحتوى على كل أسفار الكتاب المقدس ويرجع تاريخ كتابتها إلى القرن الخامس
3- مخطوط أو المجلد " البيزى " بجامعة كامبردج : يرجع تاريخه إلى القرن الرابع وبه كل الأناجيل وفيه خاتمة مار مرقس وهو باللغتين اليونانى واللاتينى
4- الأفرامى : أوائل القرن الخامس وبالمكتبة الوطنية بباريس به كل إنجيل مرقس بما فيها الخاتمة
5- مجلد واشنطن : القرن الخامس وبه الخاتمة
6- كما أن كل ترجمات الكتاب المقدس بداية من الترجمة القبطية بالقرن الثنى والسريانية اللاتينية الفولجاتا الأرمنية والأثيوبية بها هذه الآيات
7- كما يوجد بالدياسطرون أى مجموع الأناجيل الذى جمعه تاتيانوس باللغة السريانية وكان هذا فى نهاية القرن الثانى
ثانيا : كتابات الآباء خاتمة إنجيل مرقس
1- القديس إيرينئوس ( 130-200م) : استشهد بالآية ( مر 16 : 19 ) فى كتاب ضد الهراطقة
2- يوستينوس الشهيد ( 165م) : فى حواره مع تريفون اليهودى تكلم عن آية ( مر 16 : 20 ) وفى دفاعه ذكر ( مر 16: 19-20 )
3- هيبوليتس : ( 160-235م) ذكر فى كتاباته اقتباس عن الآيات ( مر 16 : 17-19 )
4- أكليمندس الرومانى : ذكر ( مر 16 : 9، 14 ، 15 )
5- مار أغناطيوس : فى رسالته إلى المغنيسين ذكر ( مر 16 : 19 ) وهذا على سبيل المثال وليس الحصر
6- الليتورجيات تحفظ لنا الإنجيل
• القطمارس القبطى : يقرأ فى عيد الصعود ( مر 16 : 12-20 )
• الكنيسة السريانية : تقرأ ( مر 16 : 9-20 ) فى طقس قراءة الثلاثاء الأول بعد القيامة
• الكنيسة الأرمينية : تقرأ هذا الفصل فى عيد الصعود
• الكنيسة اليونانية : تقرأ هذا النص فى باكر عيد الصعود وفى تذكار القديسة مريم المجدلية
ثالثا هذه الآيات جاءت بجديد عن باقى البشائر أم أنها صاغت نفس الأحداث والإيمان
1- ( الآيات 9-11 ) ظهور السيد المسيح للمجدلية وهذا يذكره ( مت 28 : 9-10 ) ،( يو 20 : 11-18 )
2- ( الآيات 12، 13 ) ظهور السيد المسيح لتلميذى عمواس وهذا يذكره ( مت 28 : 16-20) ،(لو 24 : 36-49 ) ،( يو 20 : 19-23 )
3- الآية 14 : ظهور ربنا يسوع للأحد عشر باختصار شديد وهذا ما يؤكده ( لو 24 : 36-49 ) ،( يو 20 : 19-23 )
4- الآية 15، 16 : وصية المسيح له المجد " اذهبوا إلى العالم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها " هذا يتوافق مع ما قاله ( مت 28 : 18-20 )
5- الآيتين 17، 18 : قوة المسيح التى أعطاها للرسل فى شفاء المرضى من الأرواح الشريرة والتكلم بألسنة وهذا ما جاء فى ( أع 2 : 1-11 )
6- الآيتين 19، 20 : صعود الرب وهذا متوافق مع ( أع 1 : 9 ) ومع ( لو 24 : 50-53 )
أخيرا هل فى الآيات الاثنى عشر شئ يمكن أن نظن أنه مدسوس أو أنه توجد شبهه إضافة أو تغير ؟؟؟
رابعا : الكتابات المتماثلة
يسوق أصحاب هذه الفكرة بعض الإصحاحات والآيات التى تكررت فى عدة أماكن فى الكتاب المقدس ويقولون أن الأنبياء الذين كتبوا تلك الكتابات اقتبسوها من الكتابات السابقة ولم تكن من وحى الله ولذا فإن
( إشعياء 37 ) تكرار ل ( ملوك الثانى 19 )
و( أخبار الأيام الأول 21 ) تكرار ل ( صموئيل الثانى 24 )
و( أخبار الأيام الأول 19 ) تكرار ل ( صموئيل الثانى 10 )
و ( ميخا 4 : 1-3 ) تكرار ل ( أشعياء 2 : 2-4 )
لكن مهلا يا عزيزى فلنناقش هذا الأمر بموضوعية .. فالسرقة تعنى استيلاء شخص على شئ ليس من حقه ولكن إذا كان روح الله هو الذى ساق الكاتب الذى كتب اولا والذى نقل عنه أيضا فأين السرقة إذن ؟ ...فإن الكلمة أولا وأخيرا هى من الله
وإذا دققنا النظر عزيزى القارئ فإننا نجد أن معظم هذه الشواهد تخص الأسفار التاريخية والقليل منها يخص الأسفار النبوية
فبالنسبة للأسفار النبوية قد يرسل الله نبوة لأحد الأنبياء كرسالة لشعب إسرائيل ثم يرسل نفس النبوة إلى شخص آخر وفى نفس الوقت فروح الله الذى أرسل فى الحالتين للشعب فما هى المشكلة حينما تكون النبوة واحدة ؟ فإنها بذلك تكون بمثابة رسالات تأكيدية
أما بالنسبة للشواهد التاريخية فهناك أسباب هامة تجعل هذه الشواهد متماثلة
1- إذا تم سرد أمور تاريخية فى سفر من الأسفار بصيغ معينة من المؤكد أنه إذا تكرر سردها فى سفر آخر ستكون الصياغة ثابتة فالكتابة التاريخية هى للحادثة فإذا سرد سفر صموئيل حادثة ما وسرد سفر أخبار أيام نفس الحادثة فمن المؤكد أن تتكرر جمل بحروفها وإن اختلفت المقدمات والهدف الذى من أجله ذكرت الحادثة التاريخية لكن وصف الحدث نفسه لابد أن يكون ثابتا
2- حينما يكون هدف أحد الأنبياء مثل إشعياء النبى مثلا أن يعلق على حدث تاريخى وأن يعلن صوت الله إزاء هذا الحدث فإذا وجدنا الحدث التاريخى الذى ذكره إشعياء النبى هو بالحرف كما ذكر فى الأسفار التاريخية فما المشكلة فى ذلك ؟ ... هل كان لابد أن يختلف ؟
3- إن هذه الكتابات كلها تشترك فى نفس الزمن والأحداث لكن رؤية كل سفر تختلف عن الآخر فمثلا بينما يهتم سفر الملوك أول وثانى بتاريخ المملكة والملوك يهتم سفر الأخبار الأيام الأول والثانى بنفس المرحلة ولكن من وجهة نظر أخرى وهى العلاقة مع الله والأمور المختصة بالعبادة إذن قد يتكرر الحدث فى السفرين ولكن كلا السفرين يذكره لسبب غير الآخر وفى نفس خاص ليبين صورة معينة وقد يكون معاصرا لنفس الفترة أيضا أكثر من نبى يكتبون أسفار النبوة ويتناولون نفس الحدث لكن كلا منهم حسب ما قاله الله له وحسب ما كانت رسالته
إذن قد نرى تكرار الألفاظ والأفكار إنما هى رؤية جديدة وهذا ما نلمسه بصورة واحدة فى كتابات البشيرين : متى ومرقص ولوقا ويوحنا حيث الحدث واحد لكن كل منهم يركز على الأمور التى تخدم رسالة البشارة التى يقدمها فمثلا مار لوقا يركز على الفداء بينما مار يوحنا يركز على لاهوت السيد المسيح ذلك بالرغم من أن الأحداث واحدة والشخصيات واحدة بل إنهما يريدان أن يصل المسيح إلى الكل أيضا وهذا لكى تتكامل الرسالة فيما بين الأناجيل .
خامسا الصياغات والترجمات المختلفة
يقول أصحاب هذا الأعتراض أن للكتاب المقدس أكثر من صياغة وأن هذا يضف المعانى ويجعل معانى الكتاب المقدس خاضعة للتغيير ولهؤلاء نقول أن هناك علم يطلق عليه البيلوغرافيا وهو على إثبات المراجع وأول كتاب تحقق منه هذا العلم هو الكتاب المقدس وذلك لأهميته وسهولة التحقق منه وقد أثبتوا من خلال الأدوات العلمية بأن ما فى أيدينا من نسخ للكتا المقدس يتطابق تماما مع النسخ الأصلية وقد ذكر محررى الترجمة الإنجليزية للكتاب المقدس ( R.S.V ) فى مقدمة ترجمتهم الآتى " يتضح للقارئ المدقق من ترجمتنا عام 1946م وترجمتى 1881م و1901م أن تنقيح الترجمة لم يؤثر على أى عقيدة مسيحية وذلك لسبب بسيط هو أن الألفاظ والقراءات المختلفة لم تغير فى العقيدة المسيحية " ويقول الأستاذ عباس العقاد فى كتابه ( عبقرية المسيح ) :" ونحن قد عولنا على الأناجيل ولم نجد بين أيدينا مرجعا أوفى منها لدراسة حياة المسيح والإحاطة بأطوار الرسالة وملابساتها " ونسأل هؤلاء الذين يتكلمون عن اختلاف الصياغات بين الترجمات هل أثرهذا على المعنى أو الإيمان ؟... هل صنع هذا تناقضا فكريا بين الآيات وبعضها ؟... وهل يوجد اختلاف فى المعنى بين صياغة وأخرى ؟... فيرد هؤلاء بأن هناك ثلاث حقائق على سبيل المثال قد تغيرت حينما قارنوا الصياغات المختلفة وهى :
1-" ها العذراء تحبل وتلد ابنا وتدعو اسمه عمانوئيل " ( إش 7 : 14 )
قالوا أن الكلمة الأصلية فى العبرية هى كلمة " ALMAH " " علماه " ومعناها الشابة الصغيرة وأن الكلمة التى تعنى عذراء فى العبرية هى كلمة أخرى وهى كلمة " بتولاً "
وقالوا أنه فى ترجمة ( K.J.V ) وردت بمعنى العذراء أما فى الترجمة المنقحة ( R.S.V ) فقد تم تدارك هذا الخطأ وترجمت بمعنى الشابة ( Young woman ) والرد على ذلك أن كل من كلمتى " علماه " و " بتولاً " فى العبرية تعنيان العذراء والبكر والفتاة أو الشابة التى لم تعرف رجلاً وكلمة " بتولاً " هى كلمة عامة لمن لم يتزوج ولكن كلمه " علماه " تعنى الشابة الصغيرة الغير متزوجة والتى لم تعرف رجلا أى العذراء .... وبذلك تكون الترجمتان صحيحتين ولكن الأدق لوصف السيدة العذراء هى " علماه " وسواء ترجمت كلمة " علماه " فى ( إش 7 : 14 ) إلى العذراء أو الشابة الغير متزوجة التى لم تعرف رجلا فهذا لا يغير من جوهر معناها وهو أن عذراء ستحبل وتلد بدون تدخل بشرى أو زرع بشر وهذه هى الآية أو المعجزة التى قال عنها الله فى سفر إشعياء فإذا وافقنا على كلامهم على أنها تعنى شابة متزوجة تصبح الآية التى فى ( إش 7 : 14 ) بلا منطق فما هى الآية والمعجزة فى أن تلد شابة متزوجة ؟ إذن الله كان يقصد أنه ستحدث آية ومعجزة عظيمة فى المستقبل وهى أن عذراء ستحبل وتلد وهذا فهمه علماء اليهود جيدا وكتبوه فى الترجمة اليونانية السبعينية فى القرن الثالث قبل الميلاد إذ قاموا بترجمة كلمة " علماه " إلى " PARTHENOS " " بارثينوس " باليونانية وتعنى العذراء إذنلم تغير الصياغة فى فكر أو عقيدة كما قلنا سابقا فلم تنقل لنا الصياغة الجديدة إيمانا جديدا أو تأثر أحد بها فغير عقيدته بأن المسيح لم يولد نت عذراء
2- " لانه هكذا احب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به " ( يو 3 : 16 )
قالوا أن ترجمة عبارة " ابنه الوحيد " فى ترجمة ( K.J.V ) تختلف عنها فى ترجمة R.S.V ) ) وأن ذلك يؤدى إلى تغيير فى عقيدة لاهوتية فترجمة عبارة " ابنه الوحيد فى ترجمة ( K.J.V ) هكذا :" HiS only begotten son " بينما ترجمة R.S.V ) ) ترجمة " ابنه الوحيد " هكذا :" His only son " بدون كلمة " begotten " ترجمة R.S.V ) ) تنهار فكرة بنوة السيد المسيح للآب والرد على ذلك هو أنه يمكننا أن نحسم هذا الموضوع بالرجوع إلى اللغة الأصلية التى كتب بها الإنجيل وهى اللغة اليونانية فعبارة " ابنه الوحيد " فى الأصل اليونانى هى حرفيا كما جاءت فى الطبعة المنقحة " the son the only begotten " فكلمة " مونوجنيس " اليونانية تعنى " وحيد الجنس أو " المولود الوحيد " وبذلك تكون كل ترجمة منها لم تغير أو تبدل فى المعنى الكلمات اليونانية الأصل ذلك بلإضافة إلى أن ترجمة R.S.V ) ) بعد أن ترجمت العبارة " son HiS only " أضافت فى الهامش "HiS only begotten son or " وبذلك تكون الترجمتان متطابقتين من حيث المعنى فهذه الصياغة الجديدة فى ترجمة R.S.V ) ) تقرأ مع خليفة إيمانية ثابتة لا تؤثر فيها صياغة من صياغة لغة من 1200 ترجمة ولهجة مترجم إليها الكتاب المقدس وبالرغم من ذلك لم يتأثر المعنى والإيمان
3- " فان الذين يشهدون في السماء هم ثلاثة الاب و الكلمة و الروح القدس و هؤلاء الثلاثة هم واحد " ( 1يو 5 : 7 )
النص الثالث الذى تكلموا عنه هو ما جاء فى رسالة يوحنا الأولى الذى يخص عقسدة التثليث والتوحيد فقد قالوا أن المسيحيين استخدموا هذه الآية كأساس لعقيدة التثليث وأنها موجودة فى كل الترجمات ولكن لم توجد فى R.S.V ) ) والرد على ذلك أن العقيدة المسيحية لا يمكن أن تبنى على عبارة أو آية واحدة فعقيدة التثليث والتوحيد لا ترتكز على هذه الآية فقط بل على الكتاب المقدس بأكمله فالكتاب المقدس ( العهد القديم والجديد ) ملئ بالشواهد التى تعلن وتؤكد عقيدة التثليث والتوحيد
فالسيد المسيح أعلن لنا عن عقيدة التثليث والتوحيد وسلمها لرسله الذين سلموها للكنيسة منذ فجر المسيحية ومن ذلك ما قاله رب المجد يسوع : " فاذهبوا و تلمذوا جميع الامم و عمدوهم باسم الاب و الابن و الروح القدس " ( مت 28 : 19 ) ونلاحظ أن السيد المسيح تكلم عن الآب والابن والروح القدس بصيغة المفرد فقال " باسم " وليس " بأسماء " لأنه واحد كما أنه إذا كانت هذه الآية موجودة فى الترجمات كلها ومحفوظة فى إيمان الكنيسة فأى الأمرين أقرب إلى التصديق ... أن تكون موجودة أم لا ؟
أما عن لماذا لم توجد فى ترجمة R.S.V ) ) فذلك لوجود مخطوط من بين الآف المخطوطات لم ترد فيه هذه الآية ولكنها كانت مكتوبة على الهامش فاعتبرها المترجم غير موجودة لكن لا يعنى أنه حذفها ففى ترجمة R.S.V ) ) هذه الآية موجودة فعلا فقد قام المترجم بترجمتها لكن مكانها على الهامش
وإليك عزيزى القارئ ...
رؤية تاريخية لأهم ترجمات الكتاب المقدس من المخطوطات الأصلية إلى اللغات الأخرى وأهميتها أنها تشير إلى انتشار الكتاب المقدس فى العالم كله مما يؤكد عدم إمكانية تحريفه
• الترجمة السبعينية 280 ق.م أيام الملك بطليموس فيلادلغوس أنجزها سبعون شيخا من حكماء إسرائيل من اللغة العبرية للغة اليونانية ويقول يوسيفوس المؤرخ اليهودى فى كتابه ضد إبيون :" بالرغم من انقضاء زمن طويل على كتابة الأسفار المقدسة إلا أنه لا يجرؤ أحد على إضافة أو حذف أو تغيير شئ فيها " وهذا يؤكد موافقة اليهود حينها على هذه الترجمة
• الترجمة السريانية : تاتيان الأشورى 160م ( الدياطسرون ) باللغة السريانية ووضعه فى 55 قسما وترجمها من اليونانى فى القرن الثانى
• ترجمة البشيطا 150-200م : وهى ترجمة سريانية وتسمى البشيطا أو البسيطة ويوجد منها 350 مخطوط
• الترجمة القبطية ق3 : ترجمة العهد القديم من الأصل السبعينية والعهد الجديد من اليونانية إلى اللهجة الصعيدية ثم فى القرن الرابع إلى باقى اللهجات
• الترجمة اللاتينية ق3 : ترجم إلى اللاتينية وفى القرن الرابع قام جيروم بتنقيح الترجمة اللاتينية وإعداد ترجمة جديدة معتمدا على العبرية والآرامية واليونانية وهى " الفولجاتا " أو " الشغبية " وقد كانت فى البداية هناك بعض التحفظات على هذه الترجمة
• الترجمة الأرمينية : فى القرن الخامس
• الترجمة الأثيوبية ق5 : وقد أعدها تسعة من رهبان مصر ويطلق عليها " القديسون التسعة " وظلت إلى عام 1840م حتى حلت محلها الترجمة الأمهرية
• الترجمة العربية :
1- بدأت فى القرن الثالث والرابع لما كان فى المنطقة العربية مسيحية منتشرة وكثير من الشعراء لدى العرب قبل الإسلام نجد فى شعرهم أفكار وقصص وآيات من الكتاب المقدس مثل :
* قس بن ساعدة وكان أسقف نجران ( 600م )
* ورقة بن نوفل الذى يقال أنه كان يترجم الكتاب المقدس للعربية وتوفى ( 610م )
وكان هؤلاء ينشرون شعرهم فى سوق عكاظ وكان قس بن ساعدة يقول فى سوق عكاظ ( 600م )" أن لله دينا هو أحب إليه من دينكم الذى أنتم عليه "
2- وفى القرن الثامن قام أحد الأساقفة الأسبان ويدعى الأسقف " يوحنا " بترجمة الكتاب المقدس من الفولجاتا إلى العربية
3- ولكن هناك مخطوطات سابقة عن هذا العصر ولكنها ليست كاملة وكانت أغلب هذه المخطوطات للأناجيل الأربعة
4- بل هناك مخطوطات من القرن الخامس لرسائل بولس الرسول ترجمت من السريانية إلى العربية وأجزاء أخرى من القبطية إلى العربية
5- مخطوطة رقم " 70 " بمكتبة الكونجرس الأمريكى باللغة العربية تاريخها 897م وهى للأناجيل الأربعة مقسمة على مدار السنة لتقرأ فى التقويم الكنسى
* الترجمة فى القرون الوسطى
يقول جون وكليف :" أود أن تترجم الكتب المقدسة لكل لغات العالم حتى يقرأها ويفهمها لا الاسكتلنديون والايرلنديون فقط بل الأتراك أيضا ... أتوق لأن يتغنى بكلمات الكتاب المقدس الفلاح وهو يسير خلف محراثه والذى يغزل الصوف وهو يسمع طنين مغزله والمسافر ليسرى عن نفسه تعب الرحلة وهو يتأمل قصص الكتاب المقدس "
أ- تم ترجمة الكتاب المقدس من الفولجاتا إلى الإنجيلية فى القرن الرابع عشر
ب- فى القرن السادس عشر ترجم لوثر الإنجيل إلى الألمانية
ج- وظل فى الشرق اللغة القبطية واليونانية والسريانية هى لغة الكتاب المقدس
* الترجمة العربية
1- سعد بن يوسف الفيومى : ولد بمصر عام 892م ومات بالعراق 942 م حيث كان مديرا لمدرسة يهودية وترجم العهد القديم إلى العربية وقال أنه ترجم ترجمة تفسيرية فوقع فى كثير من الأخطاء مرتبطة بمفاهيمه للكتاب المقدس
2- إسحق بن فلاسكيز ق10 : وهو أسبانى مسيحى ترجم الأناجيل الأربعة والمزامير ب " حلب " فى سوريا
3-عبد الله بن الطيب ( المشرقى ) كان راهبا وقسيسا وطبيبا ومؤرخ ومترجم فقام بترجمة الأناجيل وهذا فى بداية القرن الحادى عشر
4- هناك ترجمة من القبطية إلى العربية ( 1205م ) : ويوجد بالفاتيكان مخطوط القبطية " رقم 9 " وهى لرهبان دير الأنبا أنطونتيوس وكانت تستخدم فى الدير وهى ترجمة عربية من القبطية
5- ولعل أهم ترجمة عربية كانت للعالم السكندرى " هبة الله بن العسال " ( 1252م ) : وكان قد جمع اثنى عشر مخطوط من اليونانية والقبطية والسريانية وقام بمراجعتها وتنقيحها ليصل إلى نص ثابت موحد وترجمتها إلى العربية ولكن للأسف فقدت النسخة الأصلية وبقى منها نسخة للأناجيل الأربعة لراهب يدعى " جبرائيل " فى المتحف البريطانى
6- الفولجاتا السكندرية : فى أواخر القرن الثالث عشر تم ترجمة ارتبطت باسم العسال أيضا وهى منقولة عن القبطية البحيرى وقد انتشرت هذه الترجمة للأناجيل الأربعة وغالبا منها أخذ ما يقرأ فى القطمارس
7- أخذت ترجمات كثيرة تظهر وتختفى إلى أن جاءت ترجمة ظهرت فى القرن التاسع عشر قامت بها الإرسالية الأمريكية الإنجيلية ببيروت بالتعاون مع جمعية الكتاب المقدس الأمريكية
8- 1844 م قرر المجلس الإنجيلى فى سوريا تشكيل لجنة لدراسة الحاجة إلى ترجمة عربية حديثة للكتاب المقدس : وأسند العمل إلى مجموعة كبيرة ومنهم من بدأ ومات مثل " بطرس البستانى " ولكن الذى أكمل العمل طبيب بارع يدعى " كرنيليوس فان ابن فان دايك " واستعان برجل أزهرى يدعى الشيخ يوسف بن عقل وطبعت أول نسخة لفان دايك عام 1865م وهى نسخة الأناجيل العربية التى بين أيدينا الآن
9- ثم ما بين عامى 1875،1878 م قام الدومنيكان بترجمة كاملة للكتاب المقدسة باللغة العربية : من الأصل السريانى ( البشيطا )
10- الآباء اليسوعيين : بعد فان دايك أصدروا ترجمة جديدة بمعاونة الأديب إبراهيم اليازجى من اللغة الأصلية اليونانية والآرامى والعبرى
عداء اليهود للترجمة السبعينية
وكان أثر انتشار الترجمة السبعينية أنها أصبحت مرجعا هاما ارتكزت عليه المسيحية فى كرازتها لكل العالم وكانت النبوات المترجمة هى الدليل القوى على كرازة المسيحية بالخلاص المعد من الله قبل مجئ السيد المسيح ولهذا حاول اليهود أن يشككوا فى ترجمة النبوات كما قال يوسينوس الشهيد فى حواره مع تريفون ( 110 – 165 م ) : " أن معلميكم يرفضون الاعتراف بصحة الترجمة التى قام بها سبعون شيخا فى عهد بطليموس ملك مصر "
ويقول التلمود : " أن ترجمة التوراة على يد بطليموس لهو يوم شؤم على إسرائيل مثل اليوم الذى صنع فيه إسرائيل عجل الذهب لأن التوراة لا يمكن أن تترجم "
يقول أيضا : " الذى يقرأ أسفار الترجمة السبعينية ليس له نصيب فى الحياة الأبدية " ( التلمود الأورشليمى )
مع أن المجمع اليهودى وافق على هذه الترجمة كما أنها ترجمت بواسطة سبعون شيخا عالما حكيما من حكماء إسرائيل كما هو مثبت فى التاريخ وهذا دفعهم إلى ترجمة جديدة للتوراة وهى ترجمة أكلا وهو وثنى دخيل على اليهودية ترجم العهد القديم فى القرن الثانى حسب طلب اليهود بعد تشتتهم جراء ثورة اليهود الثانية عام 135م وهى ترجمة جامدة بلا معنى فى كثير من الأحيان وهذا دفع أريجانيس لعمل دراسة فى نصوص الكتاب المقدس والتى تسمى بالهكسابلا أو السداسية ( نص عبري – عبرى منطوق يونانى – ترجمة أكيلا – ترجمة سيماخوف – السبعينية – ثيودوسيون ) ومما لفت نظر أوريجانيس بأنه توجد جمل كثيرة وفقرات موجودة فى النص العبرى والسبعينية ولم توجد فى باقى الترجمات مما يؤكد عمل اليهود لطمس بعض النبوات التى تشير إلى المسيح
ويؤكد القديس إيرينئوس بأهمية النص السبعينى عن النصوص الأخرى لما فيها من صحة النبوات التى رفضها اليهود وكان هذا الرفض بعد مجئ ربنا يسوع المسيح ولم يرفضوها قبل ذلك .
سادسا : التناقضات المزعومة
بدون إى دراسة وبنظرة غير متعمقة وغير قادرة على الفحص يرى البعض أنه توجد تناقضات فى الكتاب المقدس ولن يسعنا الحديث لعرض كل الأفكار ولكننى سأسوق فقط بعض الأمثلة التى توضح مستوى سطحية الفكر وعدم المعرفة فمثلا :
1- يقولون أن هناك تناقض بين ما جاء فى ( 1 مل 15 : 14 ) و ( 2 أى 14 : 5 )
" وأما المرتفعات فلم تنزع " ( 1 مل 15 : 14 )
" ونزع من كل مدن يهوذا المرتفعات وتماثيل الشمس " ( 2 أى 14 : 5 ) والرد على ذلك أن هذا التناقض الظاهرى يزول حينما نعلم أنه كانت توجد مرتفعات رسمية للملك والمملكة وكانت فوق هذه المرتفعات الآلهة الغريبة التى كانت تقدم لها العبادة وكانت هذه هى العبادة الرسمية فى المملكة وهذه المرتفعات الرسمية قد هدمت لكن كانت توجد أيضا مرتفعات أخرى للشعب .... فقد كان لا يزال يوجد من الشعب من ظل متمسكا بالآلهة الغريبة فبقيت هذه الآلهة الغريبة على المرتفعات للعبادة الشخصية ولأن سفر أخبار الأيام بالعلاقة مع الله على مستوى الهيكل والعبادة الكهنوتية فلقد اهتم بوجهه نظر الهيكل الذى نزعت منه الآلهة الغريبة
2- ويقولون هناك تناقض آخر بين ( 2 صم 10 : 18 ) و ( 1 أى 19 : 18 )
" وقتل داود من أرام سبع مئة مركبة وأربعين ألف فارس " ( 2 صم 10 : 18 )
" وقتل داود من أرام سبعة آلاف مركبة وأربعين ألف راجل " ( 1 أى 19 : 18 )
والرد على ذلك أنه عندما ندقق النظر فى الأرقام جيدا نجد أنه فى سفر صموئيل الثانى يتكلم عن 700 مركبة وفى سفر أخبار أيام أول يتكلم عن 7000 مركبة فإذ عرفنا أن المركبة الواحدة كان فيها عشرة محاربين ينتهى الخلاف إذ يكون سفر صموئيل الثانى قد ذكر المركبة كوحدة مجملة وسفر أخبار أيام أول قد ذكر المركبة تفصيلا بعدد الذين فيها فردا فردا ومثال على ذلك أنه يمكننا أن نقول هذا المبنى فيه أربعة طوابق ويمكن أيضا أن نقول أن فيه اثنى عشر مسكننا وتكون العبارتان صحيحتين لأن العبارة الأولى تكلمت عن الصورة العامة للمبنى والثانية تكلمت عن الصورة تفصيلا
3- كما يقولون أيضا أن هناك تناقض بين ( 1 أى 21 : 5 ) و ( 2 صم 24 : 9 )
" فدفع يواب جملة عدد الشعب الى داود فكان كل اسرائيل الف الف و مئة الف رجل مستلي السيف و يهوذا اربع مئة و سبعين الف رجل مستلي السيف " ( 1 أى 21 : 5 )
" فدفع يواب جملة عدد الشعب الى الملك فكان اسرائيل ثمان مئة الف رجل ذي باس مستل السيف و رجال يهوذا خمس مئة الف رجل " ( 2 صم 24 : 9 )
والرد على ذلك أن فى سفر أخبار أيام أول ( 1 أى 21 : 5 ) يذكر عدد الصالحين للجندية فلقد كان الشباب فى سن معين وقت الحرب يدخلون كلهم الحرب بجانب الرجال الأقوياء الذين عبر عنهم صموئيل النبى بأنهم ذى بأس بينما فى سفر صموئيل الثانى ( 2 صم 24 : 9 ) يذكر صموئيل النبى عدد الجنود الأشداء والأقوياء فى الجيش لهذا يقول عنهم ذى بأس أى مدربين وقادرين على القتال فالأول ذكر عدد الشباب الصالح للجندية كله والثانى ذكر عدد الجنود الأشداء والمدربين
وبصدق عزيزى القارئ .....
ألا تشعر بتفاهة هذه الأفكار التى صرخوا بها وقالوا لقد وجدنا خطأ وتناقض ثم تكلموا على أنه فى شواهد قال رقم وفى الأخر رقم أخر فالتناقض كما قلنا فى المعانى وفى الأفكار وليست فى تلك الأمور التافهة التى لا تعنى شئ فى مسار الحقيقة الإلهية المطلقة
4- ومن العهد الجديد
أ- يقولون أن هناك تناقض بين ما ذكره مار متى ( مت 20 : 29-30 ) ومار مرقس ( مر 10 : 46 )
" 29- و فيما هم خارجون من اريحا تبعه جمع كثير. 30- و اذا اعميان جالسان على الطريق " ( مت 20 : 29-30 )
" و فيما هو خارج من اريحا مع تلاميذه و جمع غفير كان بارتيماوس الاعمى ابن تيماوس جالسا على الطريق يستعطي " ( مر 10 : 46 )
والرد على ذلك أن فى (مت 20 : 29-30 ) مار متى يتكلم عن الصورة إجمالا لذيك يقول " وفيما هم خارجون ..... وإذا أعميان " بينما فى ( مر 10 : 46 ) مار مرقس أراد أن يتكلم عن قصة معينة بالذات من بين القصص فيذكر بارتيماوس فقط لأنه سيقص حكايته فقط لذلك لم يقل " وفيما هم خارجون " أى السيد المسيح والجموع لكنه قال :" وفيما هو خارج ..... كان بارتيماوس " أى أنه أراد أن يجرد الصورة على السيد المسيح والأعمى فقط
ويقول القديس يوحنا ذهبى الفم فى موضوع الرواية التى يذكرها كل كاتب من وجهة نظره :" لو أتفق الإنجيليون فى التفاصيل كلها لا تهموا بالتآمر لجعل قصصهم متماثلة لذلك نستطيع اعتبار اختلافاتهم برهانا على استقلال كل إنجيلى عن الآخر وأن رواياتهم هى أصلية وحقيقية وإنما هذه الاختلافات لتكميل الصورة فلا يوجد اختلاف يؤدى إلى أى تناقض "
ويقول القديس كبريانوس :" لا يمكن أن يقوم الإنجيل من جانب ويسقط من جانب آخر "
ب- هناك قضية أخرى أصدروا عليها حكمهم الخاطئ وبالتناقض وهى سلسلة نسب السيد المسيح المذكورة فى ( مت 1 : 16 ) و ( لو 3 : 23 ) فإنهم رأوا أن هناك تناقض فى نسب يوسف النجار إذ يقول عنه مار لوقا أنه ابن هالى ويقول عنه مار متى أنه ابن يعقوب
" و يعقوب ولد يوسف رجل مريم التي ولد منها يسوع الذي يدعى المسيح " ( مت 1 : 16 )
" و لما ابتدا يسوع كان له نحو ثلاثين سنة و هو على ما كان يظن ابن يوسف بن هالي " ( لو 3 : 23 )
& والرد على ذلك أنه حينما نعلم الأمور الآتية التى قد تكون غير معروفة ستنهار هذه المزاعم تماما
1- الناموس كان يأمر الأخ الذى توفى أخوه ولم يكن قد أنجب من زوجته أن يأخذ أرملة أخيه وأول طفل ينجبه منها ينسبه إلى الأخ المتوفى وذلك حتى لا يضيع نسب أى إنسان من إسرائيل : " اذا سكن اخوة معا و مات واحد منهم و ليس له ابن فلا تصر امراة الميت الى خارج لرجل اجنبي اخو زوجها يدخل عليها و يتخذها لنفسه زوجة و يقوم لها بواجب اخي الزوج.
6- و البكر الذي تلده يقوم باسم اخيه الميت لئلا يمحى اسمه من اسرائيل. " ( تث 25 : 5-6 )
وهذا هو الذى حدث فى حالة يوسف فيعقوب كان قد مات ولم ينجب فتزوج هالى ( أخو يعقوب ) بأرملته وأنجب ابنا ( يوسف ) يحمل اسم الأخ المتوفى ( يعقوب ) وبذلك يكون مار متى قد ذكر نسب يوسف الشرعى – أو الذى حدده الناموس – فنسب يوسف إلى يعقوب ( مت 1 : 16 ) ويكون مار لوقا قد ذكر والد يوسف بالجسد وهو هالى ( لو 3 : 23 )
2- مار متى كان يبشر اليهود فكتب اليهود بشارته حسب رؤية يهودية فأهتم بالمسيح ابن داود وابن إبراهيم الذى جاء متمما ومكملاً للناموس والأنبياء بينما مار لوقا كان يقدم بشارته للأمم حسب رؤية عامة فأهتم بالمسيح مخلص جميع الأمم والشعوب وركز على فداء المسيح المقدم للبشرية كلها وليس لليهود فقط ولذا يرجع بنسب السيد المسيح إلى آب البشرية كلها فيقول : " بن آم ابن الله " ( لو 3 : 38 )
3- أما عن لماذا تم ذكر نسب يوسف النجار أصلا ... فذلك لأن الناموس يذكر نسب الشخص للرجل وليس للمرأة لذلك نسب السيد المسيح إلى يوسف لأنه كتب فى السجلات البشرية بهذا النسب لأنه لا يمكن أن يكتب بنسل أمه ولكن نسب يوسف النجار هو نفس نسب العذراء لأنها من نفس العائلة
وكما رأينا فإن هدف ورؤية البشارة هى التى جعلت الأمور يبدو أن فيه اختلاف ولكن حقيقة الأمور أنه وصف دقيق لشئ واحد له وجهان
سابقا : الكتابات الفاضحة
يبدى البعض اعتراضهم على الأخطاء التى سقط فيها الأنبياء والآباء التى ورد ذكرها فى الكتاب المقدس كما يعترضون أيضا على بعض النصوص بدعوى أنها كتابات فاضحة ومن ثم فهى – من وجهة نظرهم – غير مقدسة وغير موحى بها مثل:
* زواج إبراهيم من أخته ( تك 20 )
* زنا لوط مع ابنتيه (تك 19 )
* زنا يهوذا مع أرملة ابنه ( تك 38 )
* زنا داود مع امرأة أوريا الحثى ( 2 صم 11 )
* سفر نشيد الأنشاد
* ( حزقيال 23 )
فلم ذكرت خطايا الآباء والأنبساء فى الكتاب المقدس ؟ ... وما هى رؤية الكتاب المقدسة لها ؟ ... تعال معى عزيزى القارئ لنتبين حقيقة هذه الأمور كى تظهر الحقائق
• زواج إبراهيم من أخته : كان قبل الناموس والشريعة التى تحرم ذلك فقد كان كل أبناء آدم وحواء أخوة ومتزوجين ... ولكن كان هذا فى فترة معينة هى الفترة التى سبقت الناموس والشريعة
• خطايا الآباء والأنبياء المذكورة فى ( تك 19 ) ، ( تك 38 ) ،( 2 صم 11 ) إنما سجلت لهدف هام وهو أن يكشف الله لنا ذاته وصورة معاملاته مع الخاطئ فتظهر رحمة الله مع التوبة والعقاب مع الإصرار على الخطية فالكتاب مقدم للبشر جميعا فإذ قدم الله فيه نماذج غير حقيقية من بشر لا يخطئون أبدا فإنه بذلك يكون قد قدم نماذج غير بشرية لأنه لا يوجد من البشر لا يخطئ بل يكون أيضا قد قدم تعاليم غير معاشة فالكتاب المقدسة كتاب للتعليم والتوبيخ والإرشاد لطريق البر فمن خلال هذه الأحداث التى مرت بالآباء والأنبياء نتعلم وإذ وجدنا أننا فى نفس صورة الخطية فإن كلمات الله توبيخا كما أن الكتاب المقدس للتقويم والتدريب فنحن نغير من صورتنا على ضوء ما نرى فى حياة هؤلاء الآباء واختباراتهم مع الله التى يقدمها لنا الإنجيل
• أما ما يسمى بالكتابات الفاضحة والأسلوب الغير مقدسة : فإننا نحتاج أن نعلم صورة وثقافة المجتمع الذى كان الله يخاطبه فى العهد القديم فلابد أن نعلم فى أى موقف قيلت ولأى غرض فالظروف التى قيلت فيها والهدف الذى قيلت من أجله يشكلان أهمية قصوى فى فهم الأمور فإننا لا يمكن أن نصدر حكما مطلقا على صورة زاحدة فى كل الظروف
فمثلا : شعراء الغزل الصريح فى الجاهلية لم ينظر المعاصرون لهم بأنهم فاضحون لأن أشعارهم تحتوى على وصف لمفاتن المرأة بل أطلقوا عليه أدب الغزل الصريح وبالرغم من طريقة الكلام التى قد يكون الحكم عليها من الوهلة الأولى أنها فاضحة إلا أنها كانت فى هذا الوقت وهذه المجتمعات أمورا عادية جدا بل أدبا وشعرا مكرما ولم يطلقوا على هؤلاء الشعراء مثلا شعراء الفضائح أبدا وهذا لأن الصورة القديمة كانت هذه الأمور أمورا عادية
ومثل آخر : فحينما يدرس طلبة الطب علم تشريح جسم الإنسان هل تعتبر رؤيتهم للجسد العارى ولمسهم لأعضاء جسم الإنسان فى هذه الحالة فضائح ؟ بالطبع لا ... لأنه ليس القصد منه هو الإثارة أو الخطية بل العلم فجسم الإنسان فى علم التشريح ليس عيبا لكنه حينما يقدم لنا بهدف الإثارة يصبح عيبا
إذن ليست المشكلة فى الكلمة فى حد ذاتها لكن المهم هو الهدف الذى قيلت من أجله والمعنى المقصود منه
فلنقرأ هذه النصوص – التى كما يدعونها فاضحة – ونبحث عن الهدف والقصد من كتابتها فهذه النصوص لها رؤية ومعنى هام من أجله كتبت هذه النصوص يجب أن نعمله حتى نستطيع أن نفهم الكلمات حسب قصد الله
وبداية يجب أن يجب أن نعلم أن تلك الكلمات كانت هى أقرب التشبيهات إلى فكر وقلب الشعب اليهودى فى ذلك الوقت فإن الله حينما يكلمنا يحول أن يجد لغة مشتركة يمكن لنا أن نفهمها عن طريق أمثال وأمور معاشة حتى نستطيع أن نفهم ما يريد الله أن يقوله لنا
فحينما أراد الله أن يصف علاقته بالإنسان التى تبنى على الاختيار المتبادل والحب والأبدية لم يجد مثالا للعلاقات المعاشة أكثر من علاقة الزوج بزوجته وذلك لأنه هو يختارها كما أنها هى أيضا تقبل هذا الاختيار فالزواج لابد أن يكون فيه حب وبذل وإماته كما أن الزواج ينتهى إذا قام أحد الطرفين بخيانة الطرف الآخر لذلك فإن الله وجدها صورة مناسبة جدا لوصف العلاقة بيننا وبينه
ولأن الله أمين دائما فإن الخيانة الخيانة دائما تأتى من جانب الزوجة التى تمثل شعب الله لهذا فقد صور لنا الكتاب المقدس هذه العلاقة بصورة رمزية فى غاية الروعة فيقول مثلا فى سفر إرميا النبى :
" قد ذكرت لك غيرة صباك محبة خطبتك ذهابك ورائي في البرية " ( إر 2 : 2 )
ويقول بولس الرسول :
" خطبتكم لرجل واحد لاقدم عذراء عفيفة للمسيح " ( 2 كو 11 : 2 )
وهكذا فإن الله يخاطب هذا الشعب الذى يفهى تلك الأمور ويتأثر بها ... وبعد عرض صور خاطئة كثير أراد الله أن يلفت نظر الشعب إلى صورتهم الخاطئة كما هى بنفس فظاعتها فشرح لهم كيف أنهم خانوه وتركوه لأجل شهواتهم وبالإضافة إلى هذه الأمور الرمزية فإن الشعب كان يزنى وراء الآلهة الأخرى وكان يفعل ذلك فعلا فى محافل عامة فإن تلك الكلمات التى قيلت فى ( حز 23 ) حدثت بالفعل من هذا الشعب كما أنها كانت موجهة أيضا نحو العلاقة مع الله فيقول لهم :
" هكذا قال الرب اين كتاب طلاق امكم التي طلقتها ؟ ( إش 50 : 1 )
ويقول أيضا عن تلك الصورة :
" اذا طلق رجل امراته فانطلقت من عنده و صارت لرجل اخر فهل يرجع اليها بعد الا تتنجس تلك الارض نجاسة اما انت فقد زنيت باصحاب كثيرين لكن ارجعي الي يقول الرب " ( إر 3 : 1 )
إن الصورة هنا واضحة جدا وتؤكد تماما المفهوم الرمزى المذكور
وبصورة أخرى يصف الله خيانة شعبه له وذهابهم وراء إلهة أخرى كخيانة الزوجة لزوجها :
" اذ زنت العاصية اسرائيل فطلقتها و اعطيتها كتاب طلاقها لم تخف الخائنة يهوذا اختها بل مضت و زنت هي ايضا. 9- و كان من هوان زناها انها نجست الارض و زنت مع الحجر و مع الشجر " ( إر 3 : 8-9 ) كناية عن الآلهة التى زنى أمامها الشعب فقد كانت من بين طقوس العبادات التى تقدم للآلهة الغريبة أن يزنى الشعب أمام الوثن أو الحجر وكانت هناك عبادات يزنى فيها الشعب تحت الأشجار وبذلك تكون الصورة واقعية تماما الرغم من رمزيتها
فهل بعد كل هذا يمكن أن ننظر إلى تلك الكتابات على أنها فاضحة أم أن فعل الشعب هو الذى كان فاضحا ؟ وتكون كلمات الله لهم وهم فى صورتهم تلك هى وصف لحاتهم وتوبيخ لهم وإعلان لرفض النجاسة والخطية بكل أنواعها وتقويما لهم كى يخرجوا من تلك الصورة ؟
• ونأتى إلى سفر نشيد الإنشاد الذى يمثل قصة النفس البشرية التى أحبها الله وصورة علاقتها معه التى يرمز لها بصورة العريس والعروس فيتطرق إلى صورة مختلفة لعلاقة العروس ( النفس البشرية ) مع عريسها ( الله ) من ترك وضياع وآلام إلى رجوع وحياة ومجد
فأحيانا لا تعرف العرس قيمة هذه العلاقة إما أن تكون غير ناضجة أو مستهينة بقدسية العلاقة رافضة حبيبها وعريسها لكنها حينما ترجع إليه وتدرك أنه هو حبيبها ترى مجده وتتنعم معه
وقد أشار القديس يوحنا يوحنا المعمدان إلى علاقة السيد المسيح بالكنيسة بهذه الصورة فقال : " من له العروس فهو العريس " ( يو 3 : 29 ) وكثيرا ما استخدم السيد المسيح له المجد تشبيه العروس والعريس ليرفع أذهاننا إلى هذا الرمز لذلك فإن هذا السفر يقدم رموز الحياة الزوجية كصورة للعلاقة الحقيقة للنفس البشرية مع الله
وكان اليهود يستخدمون هذا السفر فى عباداتهم المقدسة فكان يقرأ فى اليوم الثامن لعيد الفصح الذى يرمز إلى الحياة الأبدية وكانوا يحرمون قراءته فى حفلات الخمر والمجون ولم يسمحوا بقراءته قبل سن الثلاثين حتى يفهم الشخص معانى الكلمات ويستطيع إدراك أعماقها
ويقول فى هذا اسكوفيلد :" أن العقل الغير روحى يجد فى السفر أرضا سرية خفية لا يعرف كيف يجتاز فى دروبها بينما وجد القديسون والمكرسون للرب على مدار العصور فى هذا السفر نبعا لا ينضب فى المسرة النقية وهكذا يجد الذهب الروحى طعاما دسما فى هذا السفر أما الإنسان العادى الذى لا يدرك المعانى الروحية التى فى هذا السفر فليس له الحق أن ينتقد شيئا لا يفهمه ولا يدرك مقدار العمق الذى فيه فإن كل شئ طاهر للطاهرين فضلا عن أن هذا الشفر هو بمثابة مخدع العروسين فى الكتاب المقدس " وبهذا تكون هذه الكتابات فاضحة لمن لهم ذهن فاضح إذ يأخذونها على معان أخرى بينما الذى يأخذونها على أنها وصف لصورة علاقة وحب زيجى بين نفس الإنسان وخالقها ويفهمون الخطية على أنها كالزنا الروحى يفهمون ويدركون الأمور بصورتها الحقيقية النقية وهكذا رأينا فكر مدرسة النقد العالى والكتابى فبالرغم من أن فكرهم مبنى على رؤى شخصية جاهلة وغير مدققة إلا أنهم قدموا سلاحا لمن يريد أن يطعن فى الكتاب المقدس ولا يعرف كيف أو بماذا يطعن ليخدعوا البسطاء ويقدموا خدمة مجانية لأعداء الإنجيل وبهذا المنطق السطحى غير المدروس استطاعوا أن يخدعوا غير المدققين فى الأمور ويشككوا الذين ليس لهم عمق فى الكنيسة وهنا يكمن الخطر … فبالرغم من أن آراءهم سطحية وغير متعمقة فإن الرد عليها ومجابهتها يحتاج إلى التدقيق والدراسة…
ثالثا : مدرسة الذين نادوا بفكرة تحريف الكتاب المقدس
عزيزى القارئ أعلم أنك تسمع كثيرا فى مجتمعاتنا العربية عن موضوع التحريف وهذا قصورا فى تفكير هؤلاء الذين يرددون كلمات دون أن يفكروا فيها أو يبحوثوا عن حقيقتها فحتى المفكرين الإسلاميين منهم من فكر وبحث ونفى شبهة التجريف ومنهم من ألقى التهم دون تفكير
وهناك نظرتين لموضوع التحريف فى الإسلام
الأولى : تحريف المعنى وليس الكلام وهذا يتبناه كبار المفكرين الإسلاميين مثل الرازى ، الباقلانى ، ابن سينا ، محد عبده
الرازى يقول :" أنه لا يمكن لنص التوراة أو إلانجيل أن يحرف وذلك لسببين :
1- الأول دينى : وهو أن الله صادق وكذلك ينغى أن تكون كلمته فإذا سمح الله لكلمته أن تصبح غير موثوق فيها فقد سمح بتقويض صدقة وهذا غير مقبول
2- والثانى تاريخى : التواتر فالكتاب المقدس انتشر فى كل العالم بسلاسل غير منقطعة مما يجعل تحريفها مستحيلا "
الثانية : الذين ينادون بحريف الكتاب المقدس نفسه مثل ابن حزم الجوينى ابن تيمية وإن كان ابن تيمية أقلهم عنفا
يقول ابن تيمية فى كتاب " الجواب الصحيح " ص 217 – 226 :" أن نص الإنجيل لم يتعرض لتغيير جوهرى إلا أن دين المسيح قد تم تغييره من قبل الكنيسة "
وسنناقش قضية التحريف فى ثلاث نقط
1- نظرة منطقية لقضية التحريف
2- نظرة تاريخية لقضية التحريف
3- شهادة القرآن للإنجيل ضد قضية التحريف
أولا : نظرة منطقية لقضية التحريف
لنستعرض عزيزى القارئ العصور التى مرت بكتابة المتاب المقدس ولنستوضح عن إمكانية حدوث تحريف فى كل عصر منها
أ- عصر ما قبل التدوين والكتابة
أى من عصر آدم إلى موسى النبى فقد كانت علاقة الله بآدم قبل السقوط علاقة مباشرة تجعله يحفظ وصايا الله ويحيا بها وفى هذه الفترة كانت كلمات الله وعهوده محفوظ بصورة يمكن أن يقال عنها عائلية فقد أعطى الله الوصية لآدم كلمة محفوظة ومعنى مقدس
وبعد السقوط لم تنقع علاقة الله بإلانسان بل كانت كلمات الله له هى الصورة المباشرة لعلاقته به مرشدا ومعلما ومحذرا ومنها عرف البشر – جيلا بعد جيل – صورة الله ووعوده الخلاصية فكلمات الله ومعاملاته الخاصة بتلك الفترة قد نقلت من خلال أشخاص كل منهم عاصر الآخر أو على الأقل كان فى زمن مقارب منه وهم آدم – أخنوخ – نوح – سام _ إبراهيم – موسى كما فى الآتى:
• من أدم ــــ نوح 1600 سنة وفيها عاصر آدم أخنوخ وأخنوخ عاصر نوح
• من نوح ـــ إبراهيم 900 سنة وسام هو حلقة الاتصال إذ عاش سام إلى أن بلغ اسحق 40 سنة
• بببعد ستة أجيال أخرى أى بعد 500 ولد موسى النبى الذى كتب التوراة وحلقية الأتصال بين اسحق وموسى هو لاوى جد عمر أبى موسى وقد ولد موسى النبى بعد وفاة يوسف بستين عاما
فتسليم الإيمان والحياة مع الله لم تكن بحاجة إلى الكتاب فى ذلك الوقت لأنها كانت ميراثا عائليا وكان الآباء والأجداد يعيشون سنوات كثيرة فكان التسليم محفوظ بوجودهم فى الحياة وسط أحفادهم وفى مناغ العائلة لا يحتاج الأباء إلى وثائق لتحفظ العلاقات بينهم فالتسليم كان من الأب للابن وأقوال اله كلها محفوظة إذ كان الأباء يحفظونها من كلمات آبائهم وهذا ما نقرأه فى سفر التكوين : " لاني عرفته لكي يوصي بنيه و بيته من بعده ان يحفظوا طريق الرب ليعملوا برا و عدلا لكي ياتي الرب لابراهيم بما تكلم به " ( تك 18 : 19 )
لذلك حينما ظهر الله لموسى النبى فى العليقة عرفه بذاته أنه هو إله إبراهيم واسحق ويعقوب أى أنه يعرفه من اجداده
وقد شهد علم الآثار لحقائق القصص التى كانت قبل موسى النبى وكذلك الاكتشافات التى ترجع تاريخها إلى عصور هؤلاء تؤكد صدق ما كتب عنهم فى الكتاب المقدس
ب – عصر الكتابة
وهو العصر الذى بدأ فيه يأمر موسى النبى بأن يكتب للشعب إذ أن الحياة العائلية أصبحت عير كافة لحفظ أقوال الله لأن العالم قد تشتت والبشرية داخلت إليها أفكار مشوهة عن الله فلم تعد توجد علاقة عائلية قوية – كما كان قبلا – تحفظ العلاقة مع الله وكانت كلمات الله واضحة فى الأمر بالكتابة لموسى النبى أكثر من مرة :
1 – " أكتب هذا تذكارا فى الكتاب وضعه فى مسامع يشوع " ( خر 17 : 14)
2- " فكتب موسى جميع أقوال الرب " ( خر 24 : 4 )
3- " فأكتب أنا على اللوحين " ( خر 34 : 1 )
4- " أكتب لنفسك هذه الكلمات لأننى بحسب هذه الكلمات قطعت عهدا معك ومع إسرائيل " ( خر 34 : 27 )
5- " خذوا كتاب التوراة هذه ... ليكون هناك شاهدا عليكم " ( تث 31 : 26 )
فكتب موسى النبى كما أعلمه الله عن قصة الخليقة وهن آدم وسقوطه ووعود الله مع الإنسانية عامة ومع شعبه المختار خاصة وكانت كلمات الله عبر هذا التاريخ تدبيرا وخلاصا لمن يريد الخلاص
ج - عصر التاريخ والأنبياء
وهو عصر الذى جاء بعد دخول الشعب أرض الموعد أو هو عصر ما بعد موسى النبى فقد استمرت الكتابة بأمر الرب : " وكتب يشوع الكلام فى سفر شريعة الله " ( يش 24 : 26 )
واستمر تدوين كلام الله وأعماله فيما لعد : " و كتب يشوع هذا الكلام في سفر شريعة الله " ( يش 24 : 26 )
واستمر تدوين كلام الله وأعماله فيما بعد : " فكلم صموئيل الشعب بقضاء المملكة و كتبه في السفر و وضعه امام الرب " ( 1صم 10 : 25 )
هذا ولم يكتب أحد أيا من الأسفار المقدسة من نفسه بل حسب ما أمر به الرب مثل قول الله لإرميا النبى : " خذ لنفسك درج سفر و اكتب فيه كل الكلام الذي كلمتك به على اسرائيل و على يهوذا و على كل الشعوب " ( إر 36 : 2 )
وفى مرحلة السبى ادعى البعض أن فى هذه المرحلة ضاعت الأسفار وقد ناقشنا الأدلة التى تؤكد عدم ضياعها فيما سبق وها هو دانيال النبى يؤكد لنا هذا أيضا إذ كان هذا الكلام الآتى فى أيام السبى : " فهمت من الكتب عدد السنين التي كانت عنها كلمة الرب الى ارميا النبي " ( دا 9 : 2 ) إذا كانت الكتب أيام السبى بل أنه فى أيام السبى كان اهتمام الشعب بالأسفار المقدسة أقوى وأشد لأنهم لمسوا تحقيق النبوات بالفعل فيقول نحميا : " 1- اجتمع كل الشعب كرجل واحد الى الساحة التي امام باب الماء و قالوا لعزرا الكاتب ان ياتي بسفر شريعة موسى التي امر بها الرب اسرائيل. 2- فاتى عزرا الكاتب بالشريعة امام الجماعة من الرجال و النساء و كل فاهم ما يسمع في اليوم الاول من الشهر السابع. 3- و قرا فيها امام الساحة التي امام باب الماء من الصباح الى نصف النهار " ( نح 8 : 1-3 ) كما تنبأ أيضا كثير من الأنبياء – بعد السبى – عن المملكة وبناء الهيكل ومجئ السيد المسيح مخلصا وفاديا مثل زكريا وملاخى النبى فيقول زكريا النبى عن كلمة الله : " الكلام الذي ارسله رب الجنود بروحه عن يد الانبياء الاولين " ( زك 7 : 12 )
ويقول ملاخى النبى فى أن الله يعرف ويوافق على ما كتبه الأنبياء فى الكتاب المقدس : " حينئذ كلم متقو الرب كل واحد قريبه و الرب اصغى و سمع و كتب امامه سفر تذكرة للذين اتقوا الرب و للمفكرين في اسمه " ( ملا 3 : 16 )
د- مرحلة كتابة العهد الجديد
بعد حلول الروح القدس خرج الرسل للعالم كله يبشرون بالكلمة ويقدمون الخلاص ومع امتداد ملكوت الله وإيمان الكثيرين بالمسيح فى بلاد كثيرة ازدادت الحاجة لتدوين البشارة فكتب أربعة من البشيرين قصة الخلاص وقادهم روح الله ليربط بين النبوات وليكشف عن أعماق التدبير الإلهى فلإنسان الذى فقد الفردوس فى سفر التكوين يجد مرة أخرى فردوسا حقيقيا فى سفر الرؤيا وعدم الأكل من شجرة الحياة فى سفر التكوين يصبح متاحا فى سفر الرؤيا ليعطى الحياة الأبدية
• قضية التحريف
وبعد أن استعرضنا العصور التى بكتابة الكتاب المقدس دعنا نرى ونفكر فى أى عصر يمكن أن يكون قد حرف أو بأى يد يمكن أن يشوه ؟
• فى العهد القديم
أترى يمكن أن يكون قد حرف بيد الأنبياء أنفسهم ؟
مستحيل ... لأن هذا لا يكون تحريفا لأن التحريف هو تشويه لكتابة موجودة أصلا بل يكون اتهام الأنبياء أنفسهم بالغش فى كلمة الله ...
فلا يبقى إذن إلا أن يكون حرف بيد الذين نسخوا العهد القديم ؟
لكن هذا أيضا مستحيل لأن كل ناسخ من الكتبة كان لابد له أن يلتزم بطقوس ونظم للكتابة لا يستطيع تغييرها أو عدم الالتزام بها ومنها :
1- لابد أن يكون الناسخ مختارا بعناية من حكماء إسرائيل كى يقدر قيمة ما يكتبه
2- قبل النسخ يجب أن يغتسل ويلبس ملابس كهنوتية خاصة ويجهز فكره بأفكار خشوعية قبل أن يبدأ الكتابة
3- يحظر عليه أن يعتمد على الذاكرة أو الحفظ أو حتى النظر فقط بل ينسخ بصوت مرتفع
4- قبل أن يبدأ الكتابة كان يجب عليه أن يعد الكلمات ويحصى عدد الأحرف التى فى الصفحة التى من نوع واحد ثم يدونها على الهامش فمثلا يعد حرف ( الألف ) فى كل كلمات الصفحة ثم ( الباء ) وهكذا ... ثم بعدئذ يبدأ فى الكتابة وبعد أن ينتهى يجب أن يعد عدد الأحرف مرة أخرى ويقارنه بما دونه قبلا وقد وصلت بهم الدقة إلى أنهم أحصوا عدد كل حرف فى التوراة وقاموا بتدوينه فمثلا حرف الألف ( بالعبرية ) عدده 42377 والباء 38218 والجيم 41517 .... وهكذا
5- حينما يأتى لفظ الجلالة ( الله ) يقوم أولا ليغتسل ويغسل الريشة ويعتدل فى جلسته ثم يكتب ولا يمكن لأحد أن يلمس كلمات التوراة المكتوبة
6- إذا جاء الملك وهو يكتب لا يعيره اهتماما لأنه يحمل كلمات النور
7- وبعد كل هذا إذا وجدت ثلاثة أخطاء فى النسخة تحرق عند مراجعتها وإذا وجد حرف ليس على السطر لا تستخدم هذه النسخة فى العبادة بل تستخدم فى المنازل
ومع هذا كله فحينما يفكر اليهود فى التحريف فماذا سيحرفون ؟ ... مع العلم بأنه توجد ثلاثة أسباب تدعو للتحريف :
1- إزالة صورة سيئة تسئ إليهم
2- إزالة أدلة يمكن لخصوم اليهود أن يستخدموها ضدهم
3- التخفيف عن اليهود من ثقل أحمال الناموس
وهذا كله لم يحدث ... فلم يحذف اليهود خطيئة إبراهيم ولا نزا داود ولا حرمان موسى من دخول أرض الموعد ولا أزالوا اللعنات التى نادرا ما كان أى سفر يخلو منها فالله كان يرسل لعنات وأحكام فى غاية الصعوبة عليهم نتيجة خطيتهم بذهابهم وراء الآلهة الغريبة لكنهم لم يحذفوا منها شيئا وبالرغم من النبوات المذكورة عن مجئ السيد المسيح وأنه سيصلب من اليهود وسيقوم إلا أنهم يحرفوا أى من هذه النبوات كما كان الناموس وإتمامه حملا ثقيلا لكنهم لم يحذفوا أو يخففوا منه شيئا ومع كل هذا فإن أى جريمة لابد لها من دليل ... فأين النسخة التى فيها التحريف ؟ ... فإنه يوجد الآن فى مكتبات ومتاحف العالم عشرات الألوف من المخطوطات لأسفار العهد القديم التى تم اكتشافها ومن أشهرها مخطوطات وادى القمران التى تم اكتشافها فى عام 1947م ولا يوجد بها أى اختلاف عن أسفار العهد القديم التى بين أيدينا الآن ...
إذن لا توجد شبهه حقيقية ذات دلائل لحدوث تحريف فى العهد القديم
ثم نعود فنسأل ... هل يمكن أن يكون قد تم تحريف فى العهد الجديد ؟
1- وبنفس المنطق أيضا نسأل : من الذى سيحرف ؟ ... الرسل أنفسهم ؟ ... وكيف ذلك وقد هناك معاصرون من الأعداء الذين لو سمعوا التحريف لوجدوا سلاحا يهدون به الكرازة ؟
2- كما أن هناك أيضا المؤمنين المعاصرين لأحداث الذين لو سمعوا القصة المكتوبة وكانت أحداثها غير الأحداث التى عاشوها ولمسوها بأنفسهم فكيف يظلون على إيمانهم بعد ؟
3- وإذا كان البشيرون الذين كتبوا الإنجيل هم الذين حرفوا فيه فكيف يوافقهم على ذلك بقية الرسل الذى كان عددهم المبدئى سبعين وبعد حلول الروح القدس صاروا مئات ؟
4- ثم كيف يتفق سبعون شخصا – وهم الرسل – على كذبة إلى الحد أن يصل الأمر إلى أن يموتوا من أجلها ؟ إذ أن معظمهم قد استشهد من أجل الإنجيل فهل يكذب أشخاص دفعوا حياتهم ثمنا لكرازتهم ؟ يقول باسكال : " إنى أصدق بارتياح ما يرويه شهود يثبتون أقوالهم بدمائهم "
5- وكيف يكون تحريفهم متوافقا تماما مع كل نبوات العهد القديم ورموز وطقوس الهيكل وأفكار وانتظار كل البشرية للخلاص ؟
6- ويقول التاريخ الموثق أنه اجتمع الرسل فى نحو منتصف القرن الأول الميلادى لحسم الخلاف الفكرى الذى ظهر نتيجة مناداة يعض اليهود الذين آمنوا بالمسيحية بالالتزام بأعمال الناموس وقد عرفت هذه القضية بالتهود أى هل يحافظ المسيحيون على أعمال الناموس اليهودى أم لا فهل ترى الذى دعى الكنيسة أن تجتمع لتحدد هذه القضية هل توافق فى صمت على حدوث أى تحريف ؟
7- وإذا كان هناك أى شبهة تحريف لسمعنا عنها فى الرسائل أو على الأقل فى كتابات المؤرخون الغير مسيحيين إذ كانوا سيذكرون حقيقة الموضوع تاريخيا وبأى صورة حدث التحريف ومن الذى قام بذلك
8- ولقد انتشرت الكرازة بين فلاسفة ومفكرين كثيرين فهل كانوا سيقبلون كرازة محرفة دون أن يتحروا عنها ؟
9- وإذا كان التحريف قد تم بعد الرسل فذلك أيضا ليس ممكن لأنه كان هناك معاصرون من الأساقفة والكهنة والشعب ثم هناك مجامع شاهدة على صحة الكتاب المقدس والذين كتبوا شهاداتهم هم آباء الكنيسة الموثوق فيهم
10- توجد كتابات موازية للعهد الجديد سواء من مسيحيين أو غير مسيحيين تؤكد ما قيل فى الأناجيل وهذا ما سنذكره فيما بعد
ونعود فنسأل ... إذا أرادوا التحريف فما الأشياء التى ستحرف ؟
1- أليست أولا أخطاء التلاميذ ؟ ... وإنكار بطرس ؟ ... وترك التلاميذ للسيد المسيح وقت الصلب وعدم إيمانهم ؟ ... لكن كل هذا تم ذكره فى الإنجيل
2- إذا أرادوا أن يحرفوا فإنهم سيذكرون فقط الأمور التى يظهر فيها السيد المسيح الإله العظيم المخوف المهوب الذى ارتعدت منه كل الأوساط وذلك حتى يمكن للأمم أن تؤمن به لقوته فيحذفوا من القصة أى صورة إهانه أو ألم تعرض له السيد المسيح ولكن على العكس ... فقد قدمه الإنجيل مطرودا ومهانا ومصلوبا وفى صورة – بمقاييس البشر – غير قوية
3- إذا أرادوا أن يحرفوا سيحذفوا الفقرات التى ينادى فيها السيد المسيح لمن يأتى خلفه بأن يحمل الصليب ويتألم معه لأن هذا قد يحيف من يؤمن به ومن يريد أن يتبعه
4- إذا أرادوا أن يحرفوا فقد كان لابد أن يحذفوا مثلا قضية الزوجة الواحدة التى تنفرد المسيحية فى العالم كله بالتعليم بها خاصة وأن المسيحية قد انتشرت وسط عالم يسمح بتعدد الزوجات ولكن هذا كله يحدث بل سارت الكنيسة بكل تدقيق فالكنائس كانت على اتصال مع بعضها البعض فى كل العالم وكان الكل يراقب ويعرف مشاكل الكل ( أع 8 : 14 )
ولنناقش موضوعا آخر ... كيف يمكن أن يكون قد تم تحريف فى العهد الجديد ؟
• فى العصور الأولى للمسيحية
كان الإنجيل قد انتشر قبل تدوينه بنحو خمسة وعشرين عاما ثم بعد ذلك كتب فإذا كانت القصة التى كتبت مختلفة عما قد بشر به الرسل قبل أن يدون الإنجيل لتسبب هذا فى مشاكل كبيرة جدا فى الكنيسة لأن فى الفترة التى بدأ فيها تدوين الإنجيل كان لا يزال يوجد أحياء كثيرون من المعاصرين للأحداث التى كتب عنها البشيرون فى الإنجيل فلم يكن من الممكن أن يكتب البشيرون شيئا غير الذى بشروا به قبلا وهو الذى حدث فعلا
• أما إذا كان التحريف قد تم فى عصور متأخرة
فهذا يعنى أن الذين أرادوا أن يحرفوا الإنجيل كان يجب عليهم أن يمروا على كل كنيسة فى العالم كله – لأن الإنجيل كان قد انتشر فى العالم كله حينئذ – ويطلبوا منها جمع كل أناجيل الشعب ثم يقوموا بحرقها كلها وإذا سألهم أحد عن لماذا يفعلون ذلك كاموا سيقولون ... إننا نصحح ما حرف منذ قرون مضت هل هذا منطق يقبله العقل ؟ فالمسيحية كانت قد انتشرت فى مناطق كثيرة من العالم فى القرن الرابع الميلادى حينما أصدر الملك قسطنطين مرسوم التسامح الدينى وأصبحت المسيحية هى الديانة الرسمية للإمبراطور الرومانية التى كانت تحكم العالم كله فى ذلك الوقت وأصبحت الكرازة بالمسيح فى كل بقعة من الأرض والإنجيل متاحا لكل إنسان وأصبح المفكرون يفحصون بتدقق أكثر فى كل الأمور التى تخص الحياة المسيحية
أكمل قراءة كتاب من يطعن فى النور؟! - كتب مسيحية صغيرة.
تعليقات
إرسال تعليق